تنتشر في شوارع تونس العاصمة، أعلام دول عربية وأجنبية عدّة، تتدلى أمام المحال التجارية. في شارع الحبيب ثامر، يعلّق أحمد، وهو صاحب كشك صغير، أعلام دول عربية مجاورة لأعلام تونس الخضراء، وأخرى لا تربطها بها أي علاقة تُذكر. فهذا الشاب الذي كان بالكاد يؤمن مصروف عائلته من بيع السجائر والصحف المحلية، وجد في تجارة الأعلام ضالته في الفترة الأخيرة. يشرح أحمد أن التونسيين يتهافتون على شراء علم بلادهم، عندما تكثر التظاهرات والنشاطات الحزبية الضخمة والمباريات الرياضية. أما علما سورية وفلسطين، فتزدهر تجارة بيعهما عندما يتعرض أحد البلدين لقصف عنيف أو يتضامن الشعب التونسي مع قضاياهما المحقة. ويؤكد أحمد أن العلم الليبي الجديد احتلّ المرتبة الأولى في المبيعات أثناء الثورة الليبية، إذ تهافت على شرائه أنصار الثوار الليبيين الذين هاجر الآلاف منهم إلى تونس خلال الاشتباكات مع قوات معمّر القذافي. ويلفت إلى أن الاهتمام المتزايد بشراء الأعلام بدأ مع بداية التظاهرات التي نتجت منها ثورة «14 يناير» في العام 2011، حين صار الناس يخرجون باستمرار إلى الشارع وينظمون مسيرات حاشدة ليعبّروا عن آرائهم وهم حاملون الأعلام التي صارت سلاحهم اليومي المرافق للتظاهرات الاحتجاجية والمسيرات والاعتصامات، خصوصاً أنهم عزّل ولا يملكون سوى موقفهم وكلمة الحق. يقول أحمد عن هذه التجارة المستحدثة إنها «تجارة الثورة»، شارحاً أن «عدداً من الباعة الصغار يستغلون وجود أعداد غفيرة من الناس لبيع الأعلام الصغيرة وبعض السلع المصنوعة من الأقمشة مثل الأوشحة واللافتات وغيرها من الأشياء الرمزية التي يقتنيها المتظاهرون». وخلال حكم زين العابدين بن علي، لم يكن أحمد يفكر حتى في بيع هذه الأعلام. «كنت أخاف لفت أنظار البوليس السياسي. فكل ما هو سياسي وإن بدا محايداً كان محظوراً في ذلك الزمن، وهو ما كان من شأنه أن يؤثر سلباً في معاملاتي المالية». أما أحمد الخليفي وهو صاحب متجر لبيع الألبسة الجاهزة، فيلاحظ أن فئة جديدة من مشتري الأعلام المحترفين صارت تقبل على متجره القريب من شارع الحبيب بورقيبة. ويعدّد «زبائن الثورة» الجدد، حاصراً إياهم بناشطي الأحزاب السياسية والعاملين والمتطوعين في الجمعيات الأهلية وطلاب الجامعات والمدارس الثانوية. ويقول: «يطلبون مني طباعة أعلام أو شعارات احتجاجية فوق مراويلهم أو قمصانهم للخروج بها أثناء المسيرات». ويروي الرجل الذي فتحت عليه الثورة باب رزق لم يحلم به سابقاً، أن زبائنه يختلفون باختلاف انتماءاتهم السياسية. «هناك شباب يساريون يطلبون لافتات أو مراويل مطبوع عليها صور تشي غيفارا وستالين ولينين وغيرهم من الشخصيات الشيوعية المشهورة التي لم أسمع بها من قبل». لكن الخليفي يستغرب العدد المتضاعف من الشبان الملتحين الذين يطلبون منه طباعة صور أسامة بن لادن، «لكون هذا الشخص قد يمثل تهديداً لمن يرتدي قميصاً يحمل صورته وربما يُتّهم بأنه من أتباع الإرهابيين». لكن عندما يدفع أصحاب هذه الطلبات ثمنها الغالي، تهرب كل المخاوف من قلب التاجر الذي يلبي الطلب بسرعة. ... الخليفي وأحمد هما نموذجان للباعة الصغار الذين أحسنوا استثمار ثورة الياسمين، فأزهرت في جيوبهم ومنحتهم حياة أفضل.