اختتمت «الورشة المستمرة لتطوير فنون العرض» احتفاليتها الأولى بفن العرائس في الخرطوم، بتقديم مجموعة من العروض لجمهور حدائق الملازمين وبمشاركة مصممة العرائس الهولندية «هايدي» المبعوثة من سفارة المسرح الهولنديّة لتدريب أعضاء الورشة وتمكينهم من طرائق جديدة في صناعة العرائس. «الورشة» جماعة فنية شابة مستقلة أسسها ويترأسها الفنان سيد عبد الله صوصل، وهي تشتغل على فنون أدائية متعددة، لكن يغلب على نشاطها المسرح. بدأت «الورشة» منذ فترة تعاونها مع سفارة المسرح الهولندية لإنجاز مشاريع مسرحية طويلة المدى في السودان، في إطار مشروع تطلق عليه المؤسسة «اكتشاف المسرح»! احتفالية العرائس هي النشاط الأول في هذا المشروع، وتعقبها ورشة تدريبية في الرقص تبدأ في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري في الخرطوم بإشراف 6 متخصصين هولنديين وتستمر 3 أشهر. ويوضح صوصل أن «ورشة العرائس هدفت إلى إكساب أعضاء الورشة خبرات جديدة في تحريك العرائس وتصميمها». ويضيف: «تعمل الورشة على أساس أن كل الفنون متجاورة، لذلك تقوم بالتدرب على الأشكال المختلفة منها، إن كانت شعبية أو حديثة، وبصفة مستمرة، على رغم افتقارنا إلى الإمكانات، وساعدتنا سفارة المسرح الهولندية في بعض الجوانب المادية والتقنية للعمل في هذا المشروع الطويل». واللافت في أعمال جماعة الورشة المستمرة التي تأسست في العام 2002، وهذا ما ظهر في احتفاليتها الأخيرة بفن العرائس، توظيفها الأشياء المهملة الملقاة على قارعة الطريق، من أسلاك وأقمشة وأوراق وأجهزة هاتف معطلة، تجمعها وتصنع منها مناظر لعروضها التي تقدمها في الشوارع وتشرك الجمهور في لوحاتها. يقول صوصل إن هايدي تشبههم كثيراً في صنعة الجمال من الأشياء المهملة، فهي دربتهم على تصميم العرائس من مواد من بيئتهم مثل القرع، والفلين والأسلاك و «العِشريف» (ذرة شامية)... بالإضافة إلى كثير من المواد الأخرى البسيطة. وتوضح «هايدي» انها تعلمت هذه الموهبة عندما كلفتها منظمة تعنى بالطفولة بتدريب سيدات في منطقة هيبان في ولاية جنوب كردفان، لمساعدة أطفالهن على نسيان ذكرى الحرب بفن العرائس. لكنها لم تجد سوقاً لشراء ما يلزم من مواد، فلجأت بمعاونة السيدات الى استخدام ما توافر من مواد في بيوتهن: «في هذه الورشة استخدمتُ المواد التي اكتشفتها هناك، لكن ليس اضطراراً هذه المرة انما بقصد فني...». وتقول المدربة التي زارت كثيراً من البلدان الأفريقية بعرائسها إن فن العرائس يحتاج إلى الخيال في كل شيء، في صناعة الأشكال، والتحريك... وتأليف الحكايات. «وعلى رغم تراجع شعبيته، فإنه لا يزال يحظى بشغف البعض». وتضيف: «لا يمكن أن نكسب المال من فن العرائس، لكنه يجعلنا متبصرين نحن الكبار... مثلما يفعل مع الصغار». لكن إن كانت الورشة المستمرة فقيرة وتحتاج إلى المال، فلا مفر من تقديم العروض المسرحية. تتابع هايدي: «الجزء الصعب هو أن نشبع رغبتنا في الإبداع، وفي الوقت ذاته لا ننسى الالتزامات الخاصة بقدرتنا على الحركة والإنتاج والتي تحتاج إلى المال». وتشير هايدي إلى انها لاحظت تداخلاً في البلدان الأفريقية بين الفني والاجتماعي: «يمكن القول إن المجتمعات الأفريقية تمارس الفن يومياً، فكل الممارسات الاجتماعية هي بطريقة ما نشاطات فنية». وقدمت في الاحتفالية الختامية للورشة مجموعة من عروض العرائس، لكن هايدي ترى أن أهمها «حكاية تمساح النيل»، فالتمساح رمز مهم في الثقافات السودانيّة النيلية. وتضيف: «المدهش أن شباب الورشة صنعوا التمساح من ذات المواد البسيطة، طوله أكثر من ست أمتار، وهو ضخم لكنه جميل».