منذ العصور الأولى برز الضحك لدى الإنسان بوصفه إحدى أدوات التعبير لديه، ولهذا اتجه كثير من العلماء والأدباء إلى البحث عن تعريف جامع له، فكثيرون منهم يرون أن الضحك لغة عالمية يفهمها المرء منذ نشأته وله فوائد عدة نفسية وبدنية إذ يساعد على تنشيط الجسم وتحريك العضلات. خاصة في ظل اهتمام الكثير من الأدباء والباحثين والفلاسفة بهذا الموضوع من خلال إعداد دراسات وبحوث علمية تعنى بخصائص الضحك وأهميته في حياة الإنسان بوصفه مصدر أساسي للتسلية والراحة النفسية.. ولعل ذلك ما يفسر إحداث نواد مختصة في المتداوى بالضحك في كثير من المجتمعات. مهرجان الضحك ومن هذا الباب شهد فن الفكاهة في تونس في السنوات الأخيرة اهتمامًا متعاظمًا فلفن الإضحاك جذور في الساحة الثقافية التونسية في مجالي الغناء والمسرح على غرار صالح الخميسي الذي أثرى المكتبة الغنائية بمجموعة من الأغاني الهزلية تعكس صورًا من الحياة الاجتماعية في النصف الأول من القرن العشرين .. رواد هذه المرحلة لم يبتعدوا كثيرا باختيارهم لتناقضات وتصرفات وطريقة عيش التونسيين ليجعلوها مادة مضحكة للتونسيين.. غير أن هذا الواقع تعمق بصورة وتجذر فقد تجاوز المناسبات العابرة إلى تنظيم مهرجان خاص بالضحك ظل لمدة ثلاث دورات يؤدي دوره في إمتاع الجمهور وانتقاد الواقع التنوسي عبر فن الفكاهة والضحك، لتجئ دورة هذا العام وهي الرابعة في حساب التنظيم متوزعة بين ثلاث مدن تونسية بعدما قرر منظموه الانفتاح على مدينتي سوسة وصفاقس بعدما كانت عروضه في دوراته الثلاث السابقة مقتصرة على مدينة تونس، بالإضافة إلى توزيع العروض المبرمجة في هذه المدينة على فضاءين اثنين هما قاعة الفن الرابع والمسرح البلدي بالعاصمة، وهو الفضاء الذي شهد كل عروض الدورات السابقة، التي كونت روّادًا وجمهورًا يبحث الفكاهة عن التي من شأنها أن تروّح عن النفس وتخفف من الإيقاع الروتيني للحياة الصعبة. وقد شهدت دورة هذا العام العديد من الفعاليات رصدتها “الأربعاء”.. مايد أين تونيزيا افتتاح مهرجان الضحك كان بالمسرح البلدي بالعاصمة بحضور جمهور غفير لحضور مسرحية “مايد أين تونيزيا” للطفي العبدلي، التي شهدت منذ عرضها الأول نجاحًا كبيرًا نظرًا لما يتمتع به لطفي العبدلي من مواهب في أداء هذا النوع من الأعمال التي تعتمد أساسًا على خفّة الحركة والقدرة على جلب انتباه الجمهور من خلال الكلمة التي تجمع بين الكوميديا والسخرية المتأتية من النقد العميق واللاذع من خلال المحكي الذي يغوص في اليومي ويعرّي الواقع. بتجولها في الواقع التونسي.. في ما نأتيه من تصرفات... في طريقة العيش... في المجتمع التونسي بما فيه من تناقضات تشمل التربوي والاقتصادي خاصة. كما أن لطفي العبدلي فطن إلى نقطة مهمة جدًّّا وهي ضرورية لنجاح «مسرح الرجل الواحد» (One Man Show) والمتمثلة في تحيين العمل مع كلّ عرض جديد آخذًا في الاعتبار ما يحدث من جديد من ذلك مثلا ما أضافه أثناء حديثه عن كرة القدم التونسية من وحي انسحاب المنتخب الوطني من مقابلات كأس إفريقيا للأمم، كما بحث ممثل هذه المسرحية وهو نفسه كاتب النص عن أسباب عدم تأثر المواطن التونسي بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وذلك بالاعتماد على مفارقات في نقد سلوك التونسي وعلاقاته الاجتماعية القائمة في كثير من الأحيان على السطحية والأحكام المسبقة والمصلحة الشخصية، ولإبراز هذا الخلل في التعامل مع الأخر تقمّص لطفي العبدلي عدة شخصيات متناقضة أبرزها ابن الأحياء الشعبية الذي تحدث عنه بصيغة /الأنا/ وابن العائلات الثرية ليستعرض مواقف ووضعيات يومية بأسلوب يمتزج فيه الهزل بالجد فيكشف معاناة الشاب الفقير الذي وجد نفسه مجردًا من أبسط حقوقه منذ ولادته مقابل الرفاه الذي ينعم به الشاب الثرى الذي توفرت له كل الأسباب النفسية والمادية ليكون ناجحًا ومتوازنًا في حياته. العرض شهد نجاحًا جماهيريًّا كبيرًا بدا جليّا من خلال الحضور الغفير ومن خلال التفاعل الكبير.. تفاعل برهن عن قدرة لطفي العبدلي على شدّ انتباه جمهور وإرضاء رغبته في الضحك والاستمتاع. كمال التواتي :«إحنا هكّا» الممثل الكبير كمال التواتي قدم عرضين لمسرحية «إحنا هكّا» في سوسةوتونس العاصمة نجح فيهما في جلب جماهير غفيرة رغم برودة الطقس، كل شيء يهون من أجل شبعه ضحك قد تشفي المصابين بالضغط النفسي، ولتستمع لكمال التواتي وهو يروي قصة «سي بشير» الرجل رجل بسيط ما زال أعزب يقضي أيامه ولياليه في خدمة عائلته المتكونة من والدته وأخته المتزوجة والحبلى، يجد نفسه في إحدى اليالي مجبرًا على تلبية دعوة لحضور حفل معهما فينطلق بهما في سيارته وفي الطريق إلى هناك تنطلق مغامراته التي يرويها بأسلوب شيق يمكّن المتلقي من النفاذ إلى عمق الحدث عبر نوافذ يفتحها صغيرة.. صغيرة.. ولكنها تتسع مع توغله في السرد أو الوصف إلى أن تبتلع المتفرج ويصبح دون وعي منه طرفًا في الحكاية أو أحد أبطالها، لقد قفز كمال التواتي في عمله المسرحي هذا من وضعية إنسانية إلى أخرى وتسلل من حدث اجتماعي إلى آخر وعرج في طريقه على بعض الإشكاليات التي أصبحت تطرح على المواطن التونسي عوضًا عن بحث حل يرضى بها ويسايرها ويعتبرها خبزه اليومي إلى أن ينغمس فيها ويبتلعه تيارها وينزل به إلى الأعماق. وتمكن بكل وسائل التعبير التي أتيحت له وأهمها الحركة من تمرير المتعة الى المتفرجين وجعلهم يجرون ويقفزون بخفة وراءه.. بعضهم يضع موضع السؤال الحالات الاجتماعية التي يعريها والبعض الآخر يضحك لأنه جاء من أجل ان يضحك.. كمال التواتي عبر في هذا العمل عن ومواقفه وقناعته ومارس فيه اللغة المسرحية، التي أتقنها وتعامل مع الجمهور المتلقي بالأسلوب الذي سمح له بان يتغلغل في الأعماق النص. “إيجا وحدك” لريم الزريبي «ايجا وحدك» عمل مسرحي تقدمه لأول مرة الممثلة ريم الزريبي في مسرح الرجل الواحد (One Man Show) كتبه جلال الدين السعدي وقام بإخراجه إكرام عزوز بمساعدة فتحي المسلماني هذا العمل دام ساعتين من الزمن ضحك فيها الجمهور الحاضر في كثير من المشاهد والمواقف الكوميدية التي تناولت وضعية المرأة التونسية اليوم وما تقدمه من تضحيات في حياتها الزوجية والاجتماعية نجحت خلاله ريم الزريبي في تقديم معاناة المرأة التونسية وما تعيشه من مواقف واقعية في حياتها بطريقة هزلية وكوميدية فوجدت كل امرأة حاضرة في قاعة الفن الرابع في هذه الرؤية جزءا من حياتها أو مرحلة من خلال هذه المواقف الهزلية التي تبرز التشتت والتوتّر بسبب نمط الحياة العصرية فيظهر الرجل دائما «الأناني» والمتواكل على المرأة في كامل تفاصيل الحياة الزوجية ولهفته وراء المادة في ظلّ مجتمع ذكوري يفضّل الرجل على المرأة وهذا ما كرّسته التربية في المجتمع والعائلة والمحيط الاجتماعي التونسي.. «فرصة لا تعاد» تكشف بعمق أزمة المرأة المعاصرة ومن جهة أخرى قدمت الفنانة المسرحية سعاد بن سليمان مسرحيّة «فرصة لا تعاد» الّتي هي من نوع «المونولوج الكوميدي» اعتمدت خلاله على عامل الابهار بالفرجة وبالضّوء وبالموسيقى الصّاخبة وبالشاّشة السينمائيّة العملاقة الّتي تصدّرت خلفيّة الرّكح وعمقه وعكست في فترات مختلفة مشاهد سينمائيّة هوليوديّة وصور فيديو مثيرة بالمعنى الحسّي. استطاعت الممثّلة أن تكشف للمتفرّج وبأسلوب مرح وخفيف وسلس في الحديث والتّجسيد وتقمّص الشّخصيّات المختلفة عن جوانب حميميّة ومسكوت عنها في بعض تفاصيل «اليومي المعيش» وحتّى «اللّيلي الحميمي» في حياة المرأة التّونسيّة المعاصرة أو تلك التي تطمح لأن تكون معاصرة... تفاصيل بقدر ما تبدو جزئيّة وبسيطة، بقدر ما هي عاكسة وبعمق للأزمة الّتي يعيشها هذا «الصّنف» من النّسوة الواقعات - على ما يبدو - في الهوّة السّحيقة بين فارق حقيقة أوضاعهنّ الماديّة والاجتماعيّة وحجم وطبيعة أحلامهنّ ورغباتهنّ... حكايات تترجم محاولات الهروب و»دسّ الرّأس في التّراب» - على طريقة النّعامة - الّتي تعتمدها المرأة في مواجهة ضغوطات الحياة اليوميّة وواقع الخواء النّفسي وربّما العاطفي والجنسي أيضا النّاتج عن «الرّوتين» والالتزامات اليوميّة بمختلف أنواعها.. بطلة المسرحية أعطت صورة واقعيّة ساخرة تكاد تكون كاملة ظاهرا وباطنا للمرأة التّونسيّة العصريّة اللاّهثة وراء قشور العصرنة والحداثة والمصابة ب»مرض» الحمّى الشّرائيّة» أو «دودة» التّبضّع والتّردّد على الفضاءات والمغازات الكبرى والأسواق الشعبية..