أشهرت آخر مدبغة للجلود الطبيعية في بغداد إفلاسها قبل أيام، واضطرت لتصفية أعمالها، ليخسر العراق قطاعاً حرفياً كان ناشطاً ذات يوم. لكن الصعوبات والمشاكل المتفاقمة التي واجهها هذا القطاع خلال العقود الثلاثة الماضية كانت كفيلة بالقضاء على المهنة الأقدم، التي ازدهرت قبل نحو خمسة آلاف سنة في «بلاد ما بين النهرين». صاحب معمل دباغة الجلود، صلاح الكطيمي، أكد في تصريح ل «الحياة» ان صناعة الجلود في العراق وبمراحلها كافة تعرضت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى جملة صعوبات، لكنها حافظت على بقائها مستفيدة من سياسة إقفال السوق العراقية في وجه البضائع المنافسة خلال حقبة حكم النظام السابق، على النقيض مما حصل بعد عام 2003. ويؤكد ان «عدداً كبيراً من معامل الدباغة وصناعة الجلود اغلق ابوابه أخيراً لعدم قدرته على منافسة البضائع المستوردة لانخفاض ثمنها، كما أن المستهلك بدأ يبحث عن موديلات حديثة، فيما اقتصرت المنتجات العراقية في السنوات السبع الماضية على جمع جلود الحيوانات ودباغتها وتصديرها الى دول الجوار وأوروبا. وأشار الكطيمي الى ان استمرار هذه الحرفة بات مستحيلاً لعدم وجود جهات داعمة او راعية، بل على العكس فالحكومة تعمل في الاتجاه المعاكس بحجة أن هذه الصناعة تعد من بين ملوثات الأنهار، وتفرض رسوماً عالية على موادها الأولية وتمنع تصدير المنتج باعتباره صناعة تراثية». ولفت الى ان معامل الجلود والحرفيين تحولوا إلى مجرد جمع الجلود ودباغتها، أما حرفة صناعة الجلود فانتهت تماماً وبقي عدد قليل يصنعون بأيديهم قطعاً قليلة تباع على انها تراثية وينتشرون في النجف والموصل وكربلاء. فوضى الاستيراد المدير العام للشركة العامة للصناعات الجلدية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، احمد نجم، اوضح أن فوضى الاستيراد غير الخاضع لقانون أتى على عشرات الصناعات والحرف العراقية. وقال: «صناعة الجلود اختفت نهائياً بسبب تدني أسعار المستورد إذ يبلغ سعر الحذاء المستورد نحو أربعة دولارات أو أكثر قليلاً، وقد اعتمد التجّار سياسة إغراق السوق بالأحذية حتى لا يتسنى للمصنع العراقي فرصة للمنافسة، لهذا أغلقت مصانع الجلود وسرّحت آلاف العمال». وعن إنتاج شركته، قال نجم انها «تلفظ أنفاسها الأخيرة بسبب معوقات الكهرباء وارتفاع أسعار المواد الأولية وعزوف الوزارات عن التعامل معنا على رغم وجود توجيهات حكومية بذلك». ولفت إلى أن ظاهرة تهريب الجلود الى دول الجوار انتشرت بعد عام 2003، وإلى وجود ضعف في آليات التسويق التي تعتمد الطرق التقليدية، ما يقلل قدرتها التنافسية في السوق المحلية والدولية.