بعد ست جولات من المحادثات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أقر الرئيسان عمر البشير وسلفاكير ميارديت أمس اتفاق - إطار شمل ثماني وثائق ترتبط بفك الارتباط بين السودان وجنوب السودان، ما يفتح الباب أمام ضخ نفط الجنوب عبر الشمال، وإنشاء منطقة عازلة بينهما، وفتح حدودهما المغلقة. لكن خلافات في اللحظة الأخيرة في شأن الوضع النهائي لمنطقة أبيي المتنازع عليها هددت بعرقلة توقيع الاتفاق بين رئيسي البلدين. وعقد البشير وسلفاكير عصر أمس آخر جولة محادثات بينهما، وهي السادسة منذ بدء لقاءاتهما الأحد الماضي، لمراجعة صوغ اتفاق اطار كان يأمل المفاوضون أن يتم توقيعه ليلاً ويلخّص ثماني وثائق يوقعها رئيسا وفديهما المفاوضين إدريس عبدالقادر وباقان أموم. وتشمل الوثائق الترتيبات الأمنية وترسيم الحدود، والشؤون الاقتصادية والنفط والتجارة، والحريات الاربع (التنقل والتملك والعمل والإقامة)، والوضع الانتقالي في أبيي. وستنفّذ الاتفاقات بعد المصادقة عليها من برلماني الدولتين. وعلمت «الحياة» أن البشير وسلفاكير تجاوزا العقبة الرئيسية في اتفاق الترتيبات الأمنية المتصلة بالمنطقة العازلة بينهما، بجعل كل منطقة الميل 14، وعمقها نحو 23 كيلومتراً منطقة عازلة، بخلاف الشريط العازل في بقية الحدود الذي يبلغ عمقه 10 كيلومترات على جانبي حدود الدولتين. وبحسب الاتفاق سينسحب الجيش الجنوبي من ست مناطق يسيطر عليها سينسحب الجيش السوداني خارج المنطقة، التي ستدار عبر النظام القبلي الذي ظل سائداً منذ العام 1924 بين قبيلتي الزريقات العربية في دارفور ودينكا ملوال الافريقية في الجنوب. وعن ترسيم الحدود، اتفق الطرفان على ترسيم حدودهما المتفق عليها (80 في المئة) بوضع أعمدة خرسانية لتحديدها، وأقرا مرجعية يستند عليها فريق من خبراء الإتحاد الافريقي لمساعدة الجانبين في تسوية الخلاف على خمس مناطق متنازع عليها هي حفرة النحاس، الميل 14، كاكا التجارية، المقينص وجودة. وتمثّل هذه المناطق 20 في المئة من الحدود التي تمتد أكثر من ألفي كيلومتر، وستكون آخر خطوة لمعالجة النزاع إحالته على التحكيم الدولي. وفي شأن النزاع على منطقة أبيي، اتفق البشير وسلفاكير على تنفيذ اتفاق وقّع في حزيران (يونيو) من العام الماضي بتشكيل أربعة أجهزة تنفيذية انتقالية تشمل لجنة عليا من البلدين، وإدارة تنفيذية مشتركة وبرلمان محلي، ولجنة مشتركة للمراقبة. كما أقرا استمرار انتشار 4200 من القوات الإثيوبية لحفظ الأمن في المنطقة وإرجاء حسم الوضع النهائي الذي يحدد مستقبل المنطقة. وكشف مسؤول في فريق الوساطة الأفريقية ل «الحياة» أن الطرفين مختلفان في شأن الوضع النهائي لتحديد مستقبل أبيي، موضحاً أن القيادة الجنوبية متمسكة باجراء استفتاء بحسب بروتوكول المنطقة الذي كان جزءاً من اتفاق السلام بين الخرطوم وجوبا، بينما ترى القيادة السودانية أن الاستفتاء «وصفة حرب»، إذ أن نتيجته سترفضه قبيلة المسيرية العربية في حال صارت المنطقة تابعة للجنوب، وفي حال صارت تابعة إلى السودان فلن تقبله قبيلة دينكا نقوك الافريقية، ما يعني دخول المنطقة في حرب قبلية، وأن الأفضل التفكير في حل سياسي يرتضيه الجانبان يجنّب الحرب التي يمكن أن ينجر إليها البلدان. وأفاد المسؤول ذاته أن الساعات الأخيرة من المحادثات بين البشير وسلفاكير قبل اتفاقهما في حضور الوسيط الأفريقي رئيس جنوب أفريقا السابق ثابو مبيكي ومساعديه رئيسي نيجيريا السابق عبدالسلام أبوبكر وبورندي السابق بيير بويويا، شهدت تجاذبات ولغة خشنة، منها عندما غضب البشير من رفض سلفاكير سحب قواته من منطقة الميل 14 وتمسكه ب 10 كيلومترات فقط، فرد عليه: «تخلينا لكم عن الجنوب كله وانتم ترفضون الانسحاب من (بضعة) كيلومترات». وبدا لافتاً أن أبناء منطقة أبيي في حكومة جنوب السودان ومنهم وزير شؤون مجلس الوزراء دينق الور ومسؤول الملف ولكا بيونغ غير راضين عن الاتفاق بسبب إرجاء حسم الوضع النهائي لمنطقة أبيي، اذ يعتقدون أن الجنوب بعد توقيعه الاتفاق في شأن الملفات العالقة لم يعد لديه أوراق ضغط لتسريع تحديد مستقبل المنطقة. وعُلم مساء أن هذا التيار من أبناء أبيي ما زالوا يعرقلون الاتفاق النهائي بين البشير وسلفاكير، وهو ما عكف الوسطاء الأفارقة على محاولة تسويته كي لا تنهار المحادثات كلياً.