تراجعت أجواء التفاؤل التي سادت مع انتهاء المهلة التي حددها الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن لدولتَي السودان وجنوب السودان من أجل تسوية القضايا العالقة بينهما، وأرجئ لقاء بين رئيسي البلدين عمر البشير وسلفاكير ميارديت عن موعده، على رغم وصولهما إلى أديس أبابا مقر المحادثات، وسط مصاعب في الملف الأمني مرتبطة تحديداً بإنشاء منطقة عازلة بينهما. وأجرى البشير الذي وصل إلى أديس أبابا صباح أمس محادثات مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسيلين ركزت على الملف الأمني الذي يعطل الاتفاق بين الخرطوموجوبا. وقالت مصادر قريبة من المحادثات ل «الحياة» إن البشير ناقش مع ديسيلين اقتراحاً طرحه الوفد السوداني المفاوض في شأن منطقة «الميل 14» التي ترفض الخرطوم أن تكون جزءاً من خريطة جنوب السودان حسب المنطقة العازلة التي اعتمدها وسطاء الاتحاد الأفريقي. ويدعو الاقتراح السوداني إلى سحب قوات الجيش الجنوبي 23 كيلومتراً جنوباً من خط الصفر، بدلاً من مساحة 10 كيلومترات المحددة للمنطقة العازلة. لكن الوفد الجنوبي طالب في المقابل بسحب الجيش السوداني مسافة مماثلة، وهو ما رفضه وفد الخرطوم. وقال وزير الخارجية الإثيوبي برهان جبر كريستوس إن «الاقتراحات على الطاولة وستتم معالجة الملفات كافة»، معرباً عن أمله في التوصل إلى اتفاق بين السودان وجنوب السودان. وكان مقرراً أن يلتقي البشير بعد ظهر أمس رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت الذي وصل إلى العاصمة الإثيوبية مساء السبت، لكن اللقاء أرجئ عن موعده وينتظر أن يكون التأم في وقت متقدم من مساء أمس أو صباح اليوم قبل مغادرة الرئيس الجنوبي إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وحضور جلسة لمجلس الأمن عن نتائج المحادثات بين بلاده والخرطوم. وإلى جانب الملف الأمني المرتبط بإنشاء منطقة عازلة بين حدود السودان وجنوب السودان، فإن أمام البشير وسلفاكير اقتراحاً من الوساطة الأفريقية لتسوية النزاع على منطقة أبيي بإجراء استفتاء على مستقبل المنطقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، ليقرر فيه أبناء قبيلة دينكا نقوك الأفريقية إلى جانب السودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة، إما الانضمام إلى الجنوب أو إلى السودان. وأوكل الاقتراح مفوضية استفتاء أبيي التي تضمن تكوينها برئاسة الاتحاد الأفريقي واثنين من السودان ومثلهما من جنوب السودان، مسؤولية تحديد من هم السودانيون الآخرون وفترة إقامتهم التي تتيح لهم التصويت. وشمل الاقتراح ضمانات قوية لقبيلة المسيرية العربية المنطقة على رأسها حق العبور والرعي، ومنحها 20 في المئة من عائدات نفط أبيي لخمسة أعوام، وأعطى دينكا نقوك 30 في المئة من عائدات نفط المنطقة والدولة التي تؤول إليها أبيي سواء الخرطوم أو جوبا نسبة 50 في المئة المتبقية. وأقر الاقتراح إجراء الاستفتاء تحت رعاية الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي تحت الإشراف المباشر للبعثة الأممية المنتشرة في أبيي حالياً وقوامها قوات إثيوبية. وذكر أنه في حال اختار أهل أبيي الانفصال عن السودان والانضمام إلى الجنوب تكون أبيي إقليماً تعمل إدارته على تشجيع الإدارة الأهلية والتعايش مع المسيرية. وأشار إلى اتفاق لفترة انتقالية مدتها ثلاثة أعوام تكون خلالها أبيي تحت إدارة لجنة مشتركة من السودان وجنوب السودان، وتوسيع مهماتها لتساعد مفوضية الاستفتاء في الإعداد له وإعلان نتائجه وإنشاء قوة خاصة تتولى حماية حقول النفط في ديفرا الواقعة في أقصى شمال المنطقة. وقال وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحيم حسين إن المفاوضات وصلت مرحلة حاسمة، موضحاً أنهم وافقوا من حيث المبدأ على الخريطة الأفريقية التي تحدد المنطقة العازلة لكنهم تمسكوا بترتيبات إدارية وقانونية في منطقة «الميل 14»، معرباً عن أمله في أن يكون لقاء البشير وسلفاكير «خير تتويج للمحادثات وصولاً إلى سلام بين البلدين». وقال الناطق باسم الوفد السوداني بدر الدين عبدالله إن الملف الأمني بين الدولتين شهد حراكاً كثيفاً في الساعات الماضية، موضحاً أن بعض الملفات التي اتفق عليها في وقت سابق يجرى صوغها من الناحية القانونية. ولفت إلى أن «بعض الملفات وصل مراحل متقدمة لكن التوقيع يخضع لتقدير لقاء الرئيسين». وأضاف أن الوساطة الأفريقية هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تحدد ما إذا كانت المفاوضات انتهت أم لا. وأكد الناطق باسم وفد جنوب السودان عاطف كير في تصريحات صحافية إحراز الطرفين تقدماً ملموساً في ملفات كثيرة بينها النفط والجنسية والحريات الأربع والتجارة، موضحاً أن أجندة محادثات الرئيسين ستشمل الاقتراح الأفريقي في شأن أبيي، وأبدى تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق شامل بين البلدين في كل القضايا. في المقابل، اعترى الجمود المحادثات بين الحكومة السودانية والمتمردين الشماليين في «الحركة الشعبية» عن الأوضاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، على رغم وجود وفدَي التفاوض من الحكومة برئاسة كمال عبيد و «الحركة الشعبية - الشمال» برئاسة ياسر عرمان في أديس أبابا. ويمكن أن يعزى ذلك إلى سببين الأول عدم حرص الوسطاء ومن ورائهم المبعوثين من الدول الكبرى وممثلي المجتمع الدولي على تحريك الملف قبل تسوية القضايا العالقة بين دولتي السودان وجنوب السودان باعتبار أن الملفين مرتبطان. كذلك، فإن وفدي التفاوض وضعا شروطاً مسبقة قبل جلوسهما إلى طاولة المحادثات المباشرة، فوفد الحكومة طالب بفك الارتباط السياسي والعسكري بين الجنوب والمتمردين في الولايتين، فيما طالب وفد «الحركة الشعبية - الشمال» بتوقيع الطرفين ورقة تمثل مرجعية للتفاوض تستند إلى قرار مجلس الأمن الرقم 2046 الذي حدد طرفي المحادثات وتجديد اتفاق سابق موقع بينهما في حزيران (يونيو) 2011 وأيضاً الاتفاق الإنساني المتصل بالإغاثة. ويعتقد مراقبون في أديس أبابا أن مستقبل الحوار بين الخرطوم ومتمرديها رهن ما تسفر عنه قمة البشير وسلفاكير، كما أنه سيتأثر بمستوى العلاقات بين الخرطوموجوبا.