يترقب السودانيون والجنوبيون السودانيون اليوم لقاء يجمع الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لتجاوز عقبات أبطأت محادثات الدولتين، وسط تفاؤل حذر من وسطاء الاتحاد الأفريقي والمبعوثين الدوليين مع نهاية المهلة التي حددها مجلس الأمن لتسوية القضايا العالقة. وساد المحادثات في أيامها الأخيرة جمود بدد الآمال بتسوية القضايا العالقة المتصلة بفك الارتباط بين الدولتين، مما يضع مستقبل عملية السلام بينهما أمام ثلاث سيناريوات، تحددها نتائج قمة البشير وسلفاكير. وينتظر الوسطاء أن تحدث القمة اختراقاًَ في الملف الأمني الذي وقف عائقاً أمام تقدم المحادثات لتمسك الطرفين بمواقفهما. ولم تستطع الوساطة طرح مقترح لتجاوزه لأنها صارت طرفاً، باعتبارها صاحبة الخريطة التي تحدد المنطقة العازلة بين الدولتين، إذ وافقت عليها جوبا ورفضتها الخرطوم. وتزحزحت الأخيرة عن موقفها لكن ذلك لم يقنع الطرف الجنوبي. وعقد طرفا المحادثات لقاءات أمس أتسمت بروح إيجابية بحسب مفاوضين من الجانبين التقتهم «الحياة»، غير أنها لم تحقق اختراقاً يغيّر مجرى التفاوض، واكتفيا بمعالجة تفاصيل محدودة في الملف الاقتصادي وتحرير نقاط الاتفاق والخلاف لطرحها أمام البشير وسلفاكير. وبات الملف الاقتصادي شبه محسوم بعدما اتفقت الدولتان على رسوم عبور نفط الجنوب عبر الشمال، وتبقت نقاط محدودة تتصل بباخرتي نفط صدّرهما السودان من دون موافقة الجنوب، إحداهما احتجزت عائدات ما كانت تحمله في لندن، وأخرى متوقفة في أعالي البحار. ويطالب الجنوب بعائدات نفط الباخرتين، بينما تدعو الخرطوم إلى اقتسام عائداتهما مناصفة بينهما. كذلك لا يزال بند المعاشات للجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب ينتظر الحسم. والملف الأكثر تعقيداً هو الأمن بعدما اتفق الطرفان على منطقة عازلة بينهما منزوعة السلاح عمقها عشرة كيلومترات على جانبي الحدود ويتولى فريق أممي مراقبتها. لكن الخرطوم تحفظت عن خريطة اقترحها وسطاء الاتحاد الأفريقي يحدد نقطة الصفر، ورفضت اعتبار منطقة «الميل 14» بين ولايتي شرق دارفور وبحر الغزال داخل حدود الجنوب، الأمر الذي عطّل استكمال الاتفاق على الملف. وطمأن وسطاء الاتحاد الأفريقي السودان بأن الخريطة التي تحدد المنطقة العازلة موقتة، ولا صلة لها بترسيم الحدود بينهما، وأن منطقة الميل 14 تظل منطقة نزاع بين الدولتين. وتزحزحت الخرطوم بالتالي عن موقفها الرافض وطرحت أن تكون كل المنطقة التي تبلغ مساحتها سبعة آلاف كيلومتر منزوعة السلاح على أن تدار عبر النظام القبلي لقبيلتي الرزيقات العربية والدينكا الأفريقية اللتين تعيشان في المنطقة، غير أن ذلك لم يقنع جوبا. وفي شأن ترسيم الحدود بينهما اتفق الطرفان على 80 في المئة من الحدود وانحصر النزاع على خمس مناطق هي حفرة النحاس والميل 14 وكاكا التجارية والمقينص وجودة. وشكل الاتحاد الأفريقي فريقاً من الخبراء لتقديم ورقة لمعالجة الخلاف على المناطق المتنازع عليها، على أن يحل بطرق سلمية وفي حال فشلهما يمكن إحالة النزاع على التحكيم الدولي. كما ظلت قضية النزاع على منطقة أبيي عصّية على الحل على رغم الاتفاق على إجراء استفتاء لتحديد مستقبل المنطقة وتبعيتها إلى السودان أو الجنوب. ويختلف الطرفان على من يحق له التصويت في الاستفتاء، فبينما يتمسك الجنوب بأن يكون حصرياً على قبيلة دينكا نقوك الأفريقية، تطالب الخرطوم بإشراك قبيلة المسيرية العربية. وثمة مقترحات بتقسيم المنطقة بين السودان والجنوب وهو ما ترفضه جوبا. وسيكون ملف أبيي أبرز أجندة لقاء البشير وسلفاكير. ويواجه طرفا المحادثات ضغوطاً من الوسطاء الذين حدد لهم مجلس الأمن موعداً لطي ملف التفاوض ينتهي اليوم، وكذلك من الدولة المضيفة إثيوبيا لحرصها على استمرار دورها الإقليمي عقب وفاة رئيس الوزراء مليس زيناوي. كما يرابط في مقر المفاوضات في أديس أبابا مبعوثو الولاياتالمتحدة وبريطانيا والنروج والاتحاد الأوروبي. وقال سفير غربي يتابع المحادثات في أديس أبابا ل «الحياة» إنه حسب التجارب السابقة فإن أي اختراق في التفاوض كان يحدث في اللحظات الأخيرة، ورأى أن الخلافات بين الدولتين هي أقرب ما تكون إلى مواقف سياسية من كونها خلافات موضوعية، معرباً عن أمله ب «نهاية سعيدة» تحمل الأمل لشعبي الدولتين. وبانتهاء موعد جولة المحادثات الأخيرة بين دولتي السودان وجنوب السودان، بحسب قرار الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن تحت الرقم 2046، يكون مستقبل العملية أمام 3 سيناريوات: الأول توصل البشير وسلفاكير إلى اتفاق في القضايا المتبقية خلال لقائهما اليوم، والثاني تمديد المهلة وعقد جولة محادثات جديدة، والأخير طرح الاتحاد الأفريقي مقترحات وحلولاً للملفات العالقة يتبناها مجلس الأمن ويفرضها على الدولتين، بما في ذلك فرض عقوبات على أي طرف يرفضها تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة.