أربع سنوات مضت على الأزمة المالية العالمية التي انفجرت مع انهيار المؤسسة المالية العملاقة «ليمان برذرز»، في أيلول (سبتمبر) 2008، وما زال الاقتصاد العالمي يعاني من آثارها. فنمو الاقتصاد العالمي عام 2011 ظل في حدود 4 في المئة فقط في مقابل نحو 5.4 قبل الأزمة في 2007، ويقدر ألا يتجاوز 3.5 في المئة عام 2012. كما كان نمو التجارة العالمية في 2011 أقل منه في 2007 بنحو 26 في المئة (5.8 في مقابل 7.9 في المئة)، ويتوقع انخفاض معدله إلى نحو 4 في المئة هذه السنة. ويعاني الكثير من الحكومات، زيادة في عجز موازناتها وفي ارتفاع ديونها، إضافة إلى أن معدلات البطالة في الكثير من البلدان ما زالت مرتفعة. إضافة إلى ذلك، ما زالت المصارف، خصوصاً في أوروبا، ضعيفة، وتلقي أزمة اليورو بثقلها على الأوضاع عموماً. وفي ظل هذه الأوضاع يتساءل بعضهم عن الدروس التي يمكن استخلاصها من الأزمة، وعن الإجراءات التي على صناع السياسات اتخاذها لمنع حدوث أزمة مماثلة في المستقبل. من دون الخوض في أسباب الأزمة واختلاف وجهات النظر فيها، تبين الخبرة الفعلية أن الأخطار تظهر عموماً أثناء الأوقات السيئة، لكنها تتراكم أيضاً أثناء الأوقات الجيدة. فخلال السنوات الخمس أو العشر التي سبقت الأزمة المالية العالمية، والتي تعتبر فترات جيدة إذ اتسمت بمعدلات تضخم منخفضة ومعدلات نمو مرتفعة ومستقرة، أهمل الجميع، من منظمين ومراقبين ومؤسسات تقويم ومستثمرين، الأخطار أو خفضوا توقعاتهم لمستوياتها. ومعروف أن الأزمة المالية انطلقت من أزمة الرهن العقاري العالي الأخطار في الولاياتالمتحدة، وشعرت البلدان النامية بآثارها من خلال التدفقات التجارية والمالية التي تقلصت في ظل الأزمة وما زالت. وكانت بلدان شرق آسيا هي الأفضل في تجاوز الأزمة مقارنة بدول أوروبا ووسط آسيا التي كان أداؤها الأسوأ. فالدول التي تتسم بانفتاح اقتصادي واستقرار الاقتصاد الكلي وبمعدلات ادخار واستثمار مرتفعة، وتديرها حكومات ذات صدقية، هي الدول التي تمكنت من مواجهة الأزمة على أفضل وجه، علماً أن الأكثر انفتاحاً بينها تلقى أكبر الصدمات. في ضوء ما تقدم تبرز أهمية الأساسيات الاقتصادية، وسياسات الاقتصاد الكلي، وضبط النظام المالي في تجنب الأزمات أو مواجهتها. وبالنسبة للأساسيات الاقتصادية التي يمكن أن تحمي الاقتصاد من الأزمات المالية تظهر أهمية المؤشرات الآتية: أن يكون وضع الموازنة الحكومية مريحاً، أي أنها لا تعاني من عجز دائم وكبير، وأن يكون لدى البنك المركزي احتياطات أجنبية كبيرة نسبياً تتعدى معيار الستة أشهر من قيمة الواردات، وأن يتمتع القطاع المصرفي بصدقية، وأن يكون سعر الصرف مرناً. هذه المؤشرات ضرورية لنمو الاقتصاد في المدى الطويل كما تزيده مرونة لتلقي الصدمات أثناء الأزمات، إضافة إلى أن نسبة منخفضة للدين الخارجي إلى الاحتياطات الدولية، ودين محلي أقل بالعملات الأجنبية، يساعدان على معالجة الأزمات المالية والتصدي لها. وفي مجال السياسة المالية، على صانعي السياسات أن يعملوا على تحقيق فوائض مالية وخفض الدين، من أجل توفير فسحة مالية تساعدهم على المناورة أثناء الأزمات. كما يجب عليهم وضع إجراءات تطبق تلقائياً، تكون معاكسة لدورة الأعمال من أجل إنشاء موانع مالية أثناء فترات النمو الاقتصادي. وفي مجال السياسة النقدية، يجب التنبه إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي الظاهر يمكن أن يضعف الاستقرار المالي في ظل استقرار معدل التضخم، لأن نمو الائتمان وأسعار الأصول يمكن أن يخرج من نطاق السيطرة كما حصل في الكثير من الاقتصادات ومنها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. في ضوء ذلك، على صانعي السياسة النقدية الاستمرار في تفضيل العمل على تحقيق استقرار الأسعار وعلى المنظمين أن يعملوا على الاستقرار المالي، لكن على السياسة النقدية أن تأخذ في الاعتبار الوضع المالي. وتبرز الحاجة إلى تنظيم جديد لمنع حدوث أزمة مالية أخرى، على أن يأخذ في الاعتبار الأمور الآتية: - تنظيم المؤسسات المالية غير المصرفية ومراقبتها. - يجب أن لا يمنع التنظيم الجديد الابتكار في القطاع المالي. - التنظيم والرقابة يساعدان في منع الأزمات، لكن على المؤسسات المالية الخاصة أن تأخذ قرارات أفضل. على رغم أهمية ما سبق، قد يكون في توفير البيانات والمعلومات في أوقاتها، أهمية مماثلة كي تكون القرارات مرتكزة على بيانات ومعلومات دقيقة وصحيحة. * كاتب مختص في الشؤون الاقتصادية