تنجلي الصورة يوماً بعد آخر لتظهرَ أن إجراءات حفز الاقتصادات العالمية، بما تشمله من خطط إنقاذٍ وضخ أموال، ليست كافبة، بل تستوجب أيضاً تشديد الرقابة على الأسواق والمصارف. لكن وجهات النظر لم تكن متوافقة تجاه التشدّد في الرقابة، بين الموقف الأميركي الذي يكتفي برزم الإنقاذ والموقف الأوروبي المنادي بمراجعة الهيكل المالي العالمي، في سبيل إعادة تنظيم المصارف الدولية والنظام المصرفي وأسواق المال. والنظريتان صحيحتان، لأن الأزمة الاقتصادية والمالية لا تزال في حاجة إلى ضخ أموال، لكن هذه الأموال لن تكون كافية وحدها في معالجة الأزمة، ما لم تلازمها إجراءات إصلاح هيكلي للنظام المالي العالمي تستهدف إعادة الثقة في الأسواق. ومع اقتراب موعد قمة «مجموعة العشرين»، أوائل الشهر المقبل، حذر رئيس البنك الدولي من خطورة تراجع حاد متوقع للنمو الاقتصادي في أنحاء العالم هذه السنة، وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي في صدد انكماش لا مثيل له، ودعا مجموعة العشرين إلى تبني إجراءات للرقابة والتقويم. واقترح رئيس البنك أن تطلق مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسة والصاعدة، في اجتماعها المقبل، مراجعةً لمعرفة ما إذا كانت توجد حاجة إلى إجراءات حفز جديدة بهدف بدء التعافي. وأكد أنه، من خلال قرارات المجموعة، ينبغي إرساء نظام مراقبة، مقترحاً نظاماً من المعايير والمراجعات لنتائج برامج الحفز الحالية التي اتفقت عليها الحكومات. ويؤكد خبراء ودراسات أعدها صندوق النقد الدولي، أن من عناصر الفشل الرئيسة في فترة الرواج الاقتصادي، عدم القدرة على رصد الخطر الذي تمثله فقاعة أسعار الأصول المتنامية في المشهد الكلي. ونجمت عن هذا الإخفاق نتائج سلبية رئيسة. فلم تكن هيئات الرقابة والتنظيم الخاصة بأسواق المال والقطاع المصرفي مجهزة بما يتيح استكشاف تركز الأخطار والحوافز المعيبة وراء طفرة المبتكرات المالية. فلا الانضباط السوقي ولا العمل التنظيمي استطاعا احتواء الأخطار الناجمة عن سرعة الابتكار وزيادة الرفع المالي التي ظلت تتراكم لسنوات طويلة. كذلك لم يوجه صانعو السياسات الاهتمام الكافي بالاختلالات الاقتصادية الهيكلية التي أسهمت في تراكم الأخطار النظامية في النظام المالي، فركزت المصارف المركزية على معدلات التضخم وأسعار الفائدة بدلاً من الأخطار المصاحبة لارتفاع أسعار الأصول وزيادة الرفع المالي، وكانت تلك المصارف منشغلة بالقطاع المالي الرسمي بدلاً من الانشغال بالأخطار المتزايدة خارج إطار الموازنات المالية للمصارف. وحتى مؤسسات المال الدولية لم تنجح في إرساء روابط تعاونية على المستوى الدولي. لذلك تشير هذه النتائج كافّةً إلى قصور في التقويم والرقابة على الأسواق والمصارف العاملة، وحين تفجرت الأزمة لاحقاً، كانت ردود أفعال السياسات مكبّلة بقيود الهياكل التنظيمية المتشرذمة، وبيانات الإفصاح غير الكافية لتوضيح الأخطار، وأوجه الضعف في نظم إدارة الأزمات وأطر تسوية الأوضاع المصرفية، بخاصة في التعامل مع الضغوط العابرة للحدود. لذلك، تشير دراسة حديثة أصدرها صندوق النقد الدولي، إلى خمسة مواطن ضعف أساسية تنبغي معالجتها: أولاً: يتعين توسيع الحدود التنظيمية أو نطاق التنظيم ليشمل الأنشطة التي تشكل مصدر خطر على الاقتصاد ككل، وتنبغي المحافظة على مرونة التنظيم ليواكب المبتكرات المستجدة في أسواق المال، والتركيز على الأنشطة وليس المؤسسات. ثانياً: يتعين تعزيز الانضباط السوقي بحيث وجّهت انتقادات لإخفاقات هيئات التصنيف الائتماني في ما يتعلق بتقدير الأخطار. ثالثاً: من شأن زيادة مقدار رأس المال الإلزامي المطلوب من المصارف أثناء فترات الانتعاش، أن يؤدي إلى تكوين هامش احتياط يمكن أن تستند إليه المصارف أثناء فترات الهبوط. رابعاً: يتعين سد فجوات المعلومات، فمن الضروري زيادة الشفافية في تقويم أدوات المال المركبة. خامساً: يتعين على المصارف المركزية تقوية الأطر الموضوعة لاحتياط السيولة النظامية، وينبغي أيضاً تحسين البنية التحتية التي ترتكز عليها أسواق المال الرئيسة. وفي ما يخص علاقة الأخطار النظامية بالاقتصاد الكلي، طالب الصندوق بأن تتحرك السياسات النقدية في مواجهة تراكم الأخطار النظامية. فعلى صانعي السياسات التركيز على الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي وتوجيه مزيد من الاهتمام نحو تراكم الأخطار النظامية. * رئيس اتحاد المصارف العربية