وضعت رابط خبر قديم على حسابي في «تويتر» عن زواج قاصرة، فاحتج البعض بأن الخبر مرت عليه أربع سنوات، لكن لم ينتبه أحد بأن السنوات التي مرت لم تسفر بحال من الأحوال عن نظام يحمي حقوق القاصرات. الخبر يقول إن والدة طفلة في الثامنة من عمرها تقدمت إلى المحكمة تعترض على تزويج طفلتها من رجل كبير، فوالدها الذي طلّق الزوجة وترك طفلته في رعاية والدتها وأخوالها، تذكّرها حين جاءه دائن يطالبه بديْنٍ قدره 30 ألف ريال، فعرض عليه أن يأخذ ابنته مقابل الدين فوافق الدائن. حتى هنا سنعتبر أن ما حدث يحدث في كل مكان؛ لكننا نعرف أنه لا يحدث إلا عندنا، حين قرر القاضي أن يؤجل فكّ العقد حتى تبلغ الفتاة، وتقرر هي هل تقبل أم لا، بدلاً من أن يحرر الفتاة من العقد، فإن كانت موافقتها شرطاً لتمام العقد، فلمَ يبقيه القاضي والعقد تم من دونه؟ وهل يرى القاضي أن مقايضة الفتيات لقاء الديون، والتفريط في حق النفقة، ورعاية الابنة، من المروءة التي تخول حق الولاية أم لا؟ لكن العرف يبقي حق الأب غير منقوص مهما فعل، بينما ثغرة صغيرة يمكن النفاذ منها، تسقط حق المرأة في تقرير مصيرها وحق حضانتها ونفقة أبنائها. هذه الحكاية ذكرتني بحكاية «الفتاة والوانيت»، فقد بادل رجل ابنته القاصر ب «وانيت»، لكن الرجل الذي ذهب 4 سنوات في انتظار بلوغ الفتاة، غيّر رأيه حين سمع أن الفتاة لا تريد هذا الزواج، فعاد يطالب ب «وانيته»، لكن الأب رفض إرجاع «الوانيت» وأصر على أخذ الفتاة، وحين ذهبا للمحكمة أصرّ القاضي على إعادة «الوانيت»، وقد شغلوا ب «الوانيت» أكثر مما شغلوا بالفتاة القاصر، والعقد الذي تمّ ومدى صحته. كما ذكرتني بقصة فتاة تزوجت ولها من العمر 14 سنة، ثم غاب الزوج سنوات طوالاً من دون سبب، وحين ذهبت الفتاة إلى المحكمة تطلب الطلاق، اكتشفت أن الرجل طلقها منذ سنوات، من دون أن تلزمه المحكمة أو تلزم نفسها بتبليغ صاحبة الأمر، فكل ما يحتاجه الرجل كي يطلق هو مسافة الطريق، بينما تحتاج المرأة التي تطلب الطلاق عون كل من تجده في الطريق. الحكايات على اختلافها لها النهاية نفسها، وهي غياب تنظيم حقوق النساء وحاجتهن إلى مدونة أحوال شخصية تنظم الحقوق وتوثقها، وعدم تركها تتفاوت في وجهات تقدير قضائية شخصية، والحجة التي تقول أن منع زواج القاصرات تحريم لحلال هي حجة تستعرض عضلاتها في هذا المجال، بينما تصمت عن حلال كثير ضبطته المصلحة المستجدة والمتغيرة، وتشتد عضلاتها فتتهم مشروع حماية حقوق المرأة بأنه مشروع تغريبي، بينما المشروع ال «تشريقي» يسمح عندها بمقايضة الفتيات ب «وانيت»، وديْنِ 30 ألف ريال! مجلس الشورى يدور حول هذه القضية ولا يحرز إلا التوصيات غير الملزمة، وكذلك تفعل وزارة العدل، فتوصي عاقد الأنكحة ألا يعقد لقاصر وتتركه هو وضميره، وتترك القاضي لتقديره الشخصي. أنا أفترض أن النساء يتحمّلن جزءاً من مسؤولية ما يحدث لهن؛ لكننا لا نستطيع أن نلومهن وقد ضيقت عليهن الخيارات، وجعلت التقاليد المرأة كالسلعة يقل ثمنها والطلب عليها حين يتقادم عليها الزمن، أو تمر بتجربة زواج فاشل فتصبح «سكند هاند»، ليتحول مشروع البحث عن شريك حياة إلى مشروع ضمان اجتماعي أكثر منه خياراً إنسانياً. القصص التي نسمعها من النساء فيها الكثير من البؤس، لكن نأمل أن لا يزيد النظام القضائي عليهن بإبقاء البؤس على ما هو عليه. [email protected]