تقدم لبدرية وعمرها تسع سنوات رجلٌ من جماعتها. ورغم أن هذا الرجل متزوج، لم يمانع الأب، لكنه اشترط أن يمر به بعد أربع سنوات، فردَّ الزوج بشرط آخر، هو أن يعقد عليها قرانه في وقتها، كي يحجزها ويضمن ألاّ يتقدم إليها أحد، فكان له ما أراد، وأعطى والدَها مقابل هذا سيارةَ وانيت بسعر 39 ألف ريال، على أن تكون بقية المهر حين يدخل بها. بعد أربع سنوات عاد الزوج قائلاً: «لا أريد بدرية، أريد الوانيت»، فقال الأب: «لا، مْعَصِي خلِّ الوانيت وخذ بدرية»، وقال الزوج: «لا، لم تعد لي رغبة في بدرية، فقد تنامى إلى سمعي أن بدرية لا تريدني»، مع أن رأيها عندما كانت أم 9 سنين لم يكن مهماً، بل وأصرَّ أن يحجز السلعة حتى لا يأخذها أحد غيره. في ذلك الوقت لم يكن الوانيت يهمه أيضاً، لكن اليوم أصبح الوانيت أهم من بدرية. مرَّت 14 سنة وبدرية معلَّقة، فذهب الوالد والزوج إلى القضاء. قال الأب للقاضي إن بدرية معلَّقة منذ 14 سنة، أما الوانيت فقد هرم ولم تعد لديَّ نقوده، سمع القاضي قصتهما، قال القاضي للأب: رجِّع الوانيت للزوج أطلق لك بدرية، وإلا ستبقى بدرية معلَّقة ما بقي الوانيت عالقاً بينكما، لم ينتبه القاضي أن الذي استهلك الوانيت هو الوالد، وأن الضرر يقع على إنسان آخر لم يستفد من الوانيت هو بدرية، وأن الزوج هو من غيَّر رأيه بعد أربع سنوات وألحق الضرر بالفتاة طوال 14 سنة، وأن الفتاة لو كانت وانيتاً فإنها لم تعد تسوى في السوق ولا ألفي ريال بسبب سنوات التقادم والاستخدام الجائر. هذه القصة ليست دعاية للوانيت وإثبات مدى أهميته في مجتمعنا وحضوره كقيمة مرتفعة في قضايا الزواج والطلاق وأمام القضاة، بل هي قصة حقيقية تتكرر كثيراً، شرحْتُها مرة في كتاب «تزوج سعودية» حين قلت إنه في أي مكان في العالم لا يستطيع المرء أن يشتري سيارة من معرض السيارات ويستخدمها سنوات ويعود للمعرض قائلاً: خذوا الوانيت ورجّعوا لي قروشي، لكنه مع زوجته يستطيع أن يفعل ذلك. قد يقول البعض إن هناك آباء يفعلون ذلك، وقد يقول إن بعض الأزواج يفعل ذلك، ولكن ماذا عن القاضي الذي لم تلفت نظره سوى حكاية الوانيت أيضاً، ولم يحرك ضميره القضائي أو الشخصي أن فتاة لا ذنب لها جرى ظلمها ثلاث مرات: حين عُقِدَ قرانها وهي في سن التاسعة، ثم حين غيَّر الزوج رأيه وهي في سن 12، ثم رفض تطليقها 14 سنة، فغدت لا هي متزوجة ولا هي مطلقة؟ ثلاثتهم، الوالد والزوج والقاضي، جعلوا بدرية تدفع ثمن الوانيت، فبدرية والوانيت واحد، بل إن الوانيت أهم، لأن الوالد والزوج والقاضي حريصون على الوانيت لا على بدرية. [email protected]