نفى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن تكون حكومة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم «إخوانية»، مستشهداً بعلاقاتها مع رؤساء ومسؤولين غير إسلاميين، ومنهم الرئيس بشار الأسد، قبل الخلاف بينهما. تصريحات داود أوغلو جاءت رداً على انتقادات اليمين واليسار موقف الحكومة من الأزمة السورية، وتحويلها تركيا إلى «قاعدة لتدريب المسلحين الإسلاميين من مختلف الجنسيات ودفعهم إلى الجهاد في سورية، تماماً مثلما كانت باكستان قاعدة للجهاديين بالنسبة إلى افغانستان»(صحيفة «ميلليت»). لكن وزير الخارجية كان يهدف من رده على هذه الإنتقادات أيضاً، إلى تكذيب أنباء عن خلاف بين أنقرةوواشنطن على شكل النظام في «سورية بعد الأسد»، وتكذيب معارضين لسياسة أردوغان في الحزب الحاكم، فقد سرب بعضهم إلى صحيفة «يني شفق» المقربة من «العدالة والتنمية»، خبراً مفاده أن أكثر من موفد أميركي، خصوصاً رئيس الأركان مارتن ديمبسي، طلب من أنقرة المشاركة في محاربة حركة «طالبان» في أفغانستان، والإستعداد للتصدي ل»القاعدة» في سورية، وإقامة نظام في دمشق لا يقتصر على الإسلاميين ولا يجتث البعثيين، مقابل دعم أميركي غير محدود لمحاربة حزب «العمال الكردستاني» الذي كثف نشاطه العسكري في الفترة الأخيرة. هو خلاف بين حلفاء لن يعيق التعاون بينهم لتحقيق هدف واحد: ضم سورية إلى معسكر إسلامي، بالنسبة الى تركيا، أو معتدل، على ما تقول واشنطن. ولأن داود أوغلو ما زال مصراً على تطبيق نظريته التي ترى إلى تركيا مركز التطور في العالم الإسلامي، لم ير بداً من التذكير بأن «مجتمعات الأكراد والأتراك والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط في حاجة الى تجديد نفسها، ويمكن ان تكون تركيا مركز هذا التجديد». لكن، هناك أيديولوجيتان تعيقان هذا الطموح هما الأيديولوجيا القومية في سورية والمذهبية في إيران. ولا بد من معالجة هذا الواقع لتجاوزه، فكان البدء بسورية الغارقة في دماء أبنائها الآن، وهي، بعد كل هذا الدمار في حاجة إلى عشرات السنين لتقف على قدميها وتستعيد دورها في المنطقة، وتستطيع قول نعم أو لا، خصوصاً أننا لا نرى في الأفق اي مشروع عربي لإنقاذها مما هي فيه. ويراهن داود أوغلو على أن المنطقة المتجهة إلى الأسلمة السياسية لن تتيح لإيران أن تكون جزءاً من معادلة الشرق الأوسط الجديد الذي تعمل أنقرة على بلورته بالتعاون مع الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين، شرق أوسط «متصالح مع نفسه ومع تاريخه الديني والسياسي الذي تشكل تركيا جزءاً اساسياً منه»، على ما كتب أحد المنظرين الأتراك المحيطين برئيس الوزراء. الرهان التركي على سقوط سورية، وعلى بقاء إيران منبوذة في محيطها، لا يحسب اي حساب للحروب التي يمكن أن تنجم عن ذلك. اي أن انقرة تكرر أخطاءها، منذ أن انتقلت من سياسة «صفر مشاكل» مع المحيط، إلى سياسة استتباع هذا المحيط لترث العثمانية الجديدة المحافظين الجدد في «الشرق الأوسط الجديد».