استنفرت القاهرة أمس على المستوى الرسمي لاحتواء تبعات الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية في القاهرة، خصوصاً بعد انتقادات أميركية ل «التراخي» الأمني المبدئي في حماية السفارة وتصريحات للرئيس الأميركي باراك أوباما قال فيها إن بلاده لا تعتبر مصر حليفاً أو عدواً، محذراً من «مشكلة» في العلاقات بين البلدين إذا لم تتصد القاهرة لمهمة حماية البعثات الأجنبية. واتصل أوباما أمس بالرئيس المصري محمد مرسي الذي تعهد له «ضمان سلامة الأميركيين في مصر وحماية المباني الديبلوماسية»، فيما أصرت جماعة «الإخوان المسلمين» على التظاهر اليوم ضد الفيلم المسيء للنبي محمد، وإن أعلنت الاكتفاء بوقفات احتجاجية أمام المساجد، كما شددت على رفضها «الاعتداء على المباني الديبلوماسية». وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن مرسي نقل خلال الاتصال «مشاعر استياء المصريين والمسلمين بصفة عامة من الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أفعال القلة المتجاوزة يمكنها أن تثير الكراهية وتساهم في إضعاف العلاقة الجيدة بين الشعبين المصري والأميركي». وأشار البيان إلى أن الرئيس المصري نقل إلى نظيره الأميركي أنه يتوقع «رد فعل شعبياً أميركياً وتأكيدات من الحكومة الأميركية بعدم السماح بأي تعدٍ على المقدسات»، وأن أوباما «أبدى حرص بلاده على العلاقات، ودعم عملية التحول الديموقراطي، لكنه قال إنه يتوقع أن يحظى المواطنون الأميركيون من البعثة ومنشآتها بالحماية اللازمة وأعرب عن استيائه وحكومته والشعب الأميركي للتعدي على المقدسات وإثارة الكراهية لكنه قال إن هذا لا يبرر التعدي على الأشخاص والممتلكات». وأضافت الرئاسة أن مرسي تعهد أن تمارس الدولة «مسؤولياتها المصرية والدولية والرسمية لحماية الوافدين عليها وحماية البعثات الدولية في كل مصر وأنه يرفض أي تعدٍ على الأفراد والممتلكات». أما السفارة الأميركية في القاهرة فذكرت في بيان لها أن الاتصال «عرض علاقة الشراكة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة ومصر، والجهود المستمرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني». وقالت في بيان إنه «نظراً إلى الأحداث الأخيرة، وبما يتفق مع اهتمامنا بعلاقات تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، أكد الرئيس أوباما أهمية أن تفي مصر بالتزامها بالتعاون مع الولاياتالمتحدة في تأمين المنشآت الأميركية الديبلوماسية وموظفيها». وأكدت أن «الرئيس أوباما يرفض محاولات الإساءة للإسلام، ولكنه أكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر للعنف ضد الأبرياء والأعمال التي تهدد الأفراد الأميركيين ومنشآتهم، وأن الرئيس مرسي بالمقابل أعرب عن تعازيه لخسارة أميركا المفجعة في ليبيا، وأكد أن مصر ستحترم التزامها بضمان سلامة الأفراد الأميركيين». وكان لافتاً تبادل قادة في «الإخوان» ومسؤولين في السفارة الأميركية رسائل علنية لم تخف توتراً، إذ وجه حساب الجماعة باللغة الإنكليزية على موقع «تويتر» رسالة باسم نائب المرشد خيرت الشاطر إلى الحساب الرسمي للسفارة الأميركية في القاهرة قال فيها: «إننا نشعر بارتياح لعدم إصابة أي من العاملين في السفارة الأميركية بالقاهرة بأي أذى، ونتمنى أن تتجاوز العلاقات المصرية - الأميركية الاضطرابات التي حدثت في أحداث يوم الثلثاء». وردت السفارة على «تغريدة» الشاطر، قائلة: «شكراً. هل تابعتم النسخة العربية من موقعكم؟ نتمنى أن تعرفوا أننا نقرأ ما عليه أيضاً». وكان أوباما قال في مقابلة مع شبكة «تليموندو» الإسبانية أن العلاقات مع مصر «عمل تحت الإنشاء». وأضاف: «لا أعتقد أننا يمكننا اعتبار مصر حليفاً، لكننا لا نعتبرها عدواً. إنها حكومة جديدة تحاول أن تجد طريقها... حتى الآن قالت الأشياء السليمة واتخذت الخطوات السليمة. لكنها أيضاً تصرفت في أحداث أخرى بطريقة قد لا تتلاقى مع مصالحنا». وأشار إلى أنه يتوقع من مصر حماية السفارة الأميركية وطاقمها. وتابع: «إذا تصرفوا في شكل يشير إلى أنهم لا يقومون بمسؤوليتهم تلك... فأعتقد أنه ستصبح هناك مشكلة». ووصف الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى تصريح أوباما بأنه «تغير في طبيعة العلاقة بين البلدين مع تأثيراتها السياسية والاقتصادية الثنائية وكذلك الإقليمية والدولية وهو أمر يجب أن يؤخذ بكل جدية». وقال إن «هذه التصريحات تكشف عن بداية اهتزاز في العلاقة الاستراتيجية المصرية - الأميركية والأحداث التي جرت أمام السفارة آن لها أن توضع في إطارها الصحيح فهي بهذا الشكل أكثر من مجرد احتجاج وتدخل في إطار خلق الالتباس في العلاقة المصرية - الأميركية». وأضاف: «في هذه الظروف أرجو أن تتحقق الأنباء الخاصة بزيارة الرئيس مرسى للولايات المتحدة ولقائه بالرئيس أوباما سواء في أيلول (سبتمبر) في نيويورك أو في كانون الأول(ديسمبر) في واشنطن للتباحث في هذا الموضوع الهام على أعلى مستوى». وكان مرسي دان في كلمة متلفزة بثها صباح أمس التلفزيون الرسمي، الفيلم المسيء، مؤكداً أن «الرسول الكريم خط أحمر لا يجوز المساس به والمقدسات الإسلامية والرسول صلى الله عليه وسلم خط أحمر بالنسبة إلينا جميعاً. نحن المسلمون... نحن المصريون جميعاً نرفض أي نوع من أنواع التعدي أو الإساءة إلى رسولنا محمد الذي نفديه كلنا بكل أرواحنا ومهجات قلوبنا». وقال: «لا نقبل ونعادي من يتعدى بالقول أو الفعل أو اللفظ على رسولنا صلى الله عليه وسلم... هذا أمر مرفوض من كل المسلمين ومن كل المصريين». وأضاف: «وأنا أعبر عن الشعب المصري كله، وأدين وأتصدى لكل من يحاول أو من يتكلم أو يفعل أو يمارس أي نوع من أنواع الإساءة إلى رسولنا أو إلى أي من مقدساتنا الإسلامية». وتابع في كلمته التي سجلها من بروكسيل: «نقول لهؤلاء العابثين الذين يريدون إشعال الفتن وتأجيج الصراعات بين الشعوب لن تفلحوا ولن يكون لكم مكان على هذه الأرض... أنا أعلم وأعرف أن شعوب العالم الحر، الشعوب في العالم كله، المحبة للسلام تدين ذلك وترفضه وتقف ضده». وتبرأ من الهجمات التي تعرضت لها سفارات أميركا. وقال: «في الوقت نفسه نعلم جميعاً أن حرمة النفس وقتل الأبرياء والعدوان على الإنسان يرفضه الإسلام ونرفضه جميعاً. التعبير عن الرأي وحرية التظاهر والإعلان عن المواقف مكفول لكن بغير تعد على الممتلكات العامة والخاصة أو على البعثات الديبلوماسية أو على السفارات... من واجبنا نحن ومن صميم ديننا أن نحمي ضيوفنا وأن نحمي من يأتي لنا من خارج أوطاننا وأن نحمي أماكن إقامتهم وأعمالهم، وهذا واجب علينا جميعاً». ودعا المتظاهرين أمام السفارة الأميركية في القاهرة إلى «أن يراعوا ذلك وأن يراعوا عدم مخالفة القانون في مصر وأن يراعوا عدم الاعتداء على السفارات أو القنصليات أو البعثات الديبلوماسية أو الممتلكات المصرية الخاصة والعامة أو غير المصرية». وأضاف: «هذا ما أعرف أن الشعب المصري الواعي لا يفعله وأن هؤلاء الذين يقومون بالعدوان على السفارات لا يمثلون أحداً منا... وإنما لا بد من أن نتعاون جميعاً في إعلان الرأي مع الحفاظ على مبادئنا وعلى وسائلنا السلمية الصحيحة التي يتفق معنا العالم كله عليها». وقدم تعازيه لمقتل السفير الأميركي لدى ليبيا. وأوضح أن «هذا الفعل يرفضه الإسلام وحرمة النفس عند الله أكبر من حرمة الكعبة، كما علمنا الرسول الكريم الذي ندافع عنه ونعادي كل من يتعرض له بسوء أياً كان موطنه». وطغت الاشتباكات أمام السفارة الأميركية على مؤتمر صحافي عقده مرسي مع جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية في اختتام لقاء أمس في بروكسيل، إذ أكد الرئيس المصري قدرة بلاده على حماية البعثات الديبلوماسية والسفارات الموجودة على أراضيها. وقال: «نحن في مصر وفي العالم العربي والإسلامي نرى غضبة شديدة ضد الانتهاكات التي وقعت من بعض الأشخاص قليلي العدد والذين أساءوا إلى الرسول محمد، ونقف بكل قوة ضد هذا ونعادي كل من يفعل ذلك ونقف ضد كل من يحاول رفع مثل هذه الشعارات الزائفة أو إحداث هذه الاضطرابات والفتن والضغائن والكراهية بين الشعوب». واعتبر أن «الشعب الأميركي يرفض كل هذه الإساءات». وأضاف أنه وجه الدعوة إلى الشعب الأميركي «كي يعلن رفضه لكل الممارسات السيئة التي تضر ولا تنفع»، منوهاً بأنه في الوقت ذاته لا يرضى «بأن يكون هناك عدوان على سفارات أو قنصليات أو أشخاص جراء ممارسات خاطئة». وأضاف: «نريد أن نتعاون مع العالم كله ونتعاون الآن مع الاتحاد الأوروبي والشعوب الأوروبية والإدارة الأميركية والشعب الأميركي في أن نمنع مثل هذه الممارسات السيئة في المستقبل». من جانبه، دان رئيس الوزراء هشام قنديل اشتباك المتظاهرين مع قوات الشرطة في محيط السفارة الأميركية. وقال إن «حرق السيارات وقذف الشرطة بالحجارة والاعتداء على السفارات لا يمكن أن يكون نصرة للرسول». في غضون ذلك، أصرت جماعة «الإخوان» على تنفيذ تظاهرات اليوم لإدانة الفيلم المسيء. وأوضح الأمين العام للجماعة محمود حسين ل «الحياة»: «سنكتفي بوقفات احتجاجية أمام المساجد الرئيسة في المحافظات للتعبير عن الغضب تجاه الفيلم المسيء»، نافياً أن يكون من ضمن الفاعليات التظاهر في ميدان التحرير أو ميادين المحافظات. وشدد على أن الإساءة إلى المقدسات «خط أحمر»، مؤكداً الحق في «التظاهر السلمي لا سيما وأننا نلحظ تراخياً من الجانب الأميركي في الرد». لكنه شدد في الوقت نفسه على «رفض الاعتداء على السفارات أو المباني والأشخاص»، محملاً «بعض المجموعات في الداخل وفي الخارج» المسؤولية للتخطيط «للإساءة إلى العلاقات المصرية - الأميركية». وقالت دار الإفتاء المصرية في بيان أمس إنها تتواصل مع العديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية الأميركية لحضها على تحريك دعوات قضائية «ضد هؤلاء المجانين الذين يريدون استفزاز مشاعر المسلمين». وأشار البيان إلى أن المفتي علي جمعة «سيطالب الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة السعي إلى توقيع اتفاقية يوقع عليها كل الأعضاء في الأممالمتحدة لتجريم التطاول على الأديان والرموز والمقدسات الدينية بحيث يكون ذلك رادعاً للسفهاء»، داعياً إلى «حلول غير تقليدية لتفادي وتجنب مثل هذه الإساءات في المستقبل».