فاجأتها الأيام بمسؤوليات جسام، وعبس الزمن في وجهها، وتخلى عنها الجميع بمن فيهم الأقارب. تسكن في بيت شعبي مهترئ وتقاسي ظروفاً قاسية مع أبنائها الأربعة (ثلاثة أولاد وبنت). هذا هو وضع الأرملة أم ناصر. ترملت أم ناصر منذ أكثر من خمس سنوات، تحملت بعدها مسؤولية أسرتها، وكرست جهدها لتأمين لقمة عيشهم، هادفة إلى استقرار حياتهم حاضراً وإسعادهم مستقبلاً. وحرصت على عدم جرح كبريائهم، فآلت على نفسها ألا تتسول الآخرين. التفتت يميناً ويساراً فبدأت في مزاولة تجارة الأقمشة النسائية بائعة متجولة، إلا أن البلدية واستعجال الدائنين على تحصيل أموالهم أجبراها على التوقف. وتقول أم ناصر: «توفي زوجي وتوقعت الظروف السيئة، لكن لم أتوقع أن تبلغ هذا السوء، فقبل أيام وصلت الحال بأبنائي إلى الذهاب إلى مدارسهم من دون مصروف»، موضحة أنها تحرص على ألا يخلو المنزل من أي طعام. وتضيف: «بعد سنوات من الاتجار وبيع الأقمشة والتجول بها قرب الأسواق والأحياء الشعبية، وجدت نفسي عالقة في ديون لا حصر لها، فبادرت إلى بيع جميع الأقمشة بخسارة لسداد أصحاب الديون، خشية أن يتقدموا بشكوى وأجد نفسي في السجن ويضيع مستقبل أبنائي». وتتابع الأرملة المحبطة: «أنا امرأة مؤمنة وصابرة، وأحتسب كل ما يجري لي عند الله سبحانه وتعالى، ولكني أعيش في خوف شديد على أبنائي، ولا سيما أن ابني الصغير مصاب بالربو ويحتاج إلى عناية دائمة، ولكني لم أستطع علاجه بسبب ظروفنا السيئة»، مشيرة إلى أن الشيء الإيجابي في حياتها هو تخلصها من الديون، ولكن كان المقابل هو عدم عجزها حتى عن تأمين الأكل والشرب. وتلفت أم ناصر إلى أن ابنها الأكبر «ناصر» على وشك التخرج من المرحلة الثانوية، «هو أملي في الوقت الحاضر بعد الله سبحانه وتعالى، ولديه طموح بإكمال تعليمه حتى يتسنى له بناء مستقبله، وأريد أن أدعمه، ولكن ظروفنا تقف عائقاً دون ذلك»، مبدية خوفها من أن تجبره الظروف على البحث عن وظيفة لمساعدتهم، وبالتالي تموت أحلامه بسبب العوز. وتتمنى أم ناصر من ذوي القلوب الرحيمة النظر في وضعها، فهي وأبناؤها في حال يرثى له، «لم أكن أريد أن نحتاج إلى الناس، ولكن أجبرتنا الظروف على ذلك، وآمل أن يسخر لنا الله من يقف معنا مرة واحدة وينهي كل معاناتنا».