«الديلما» هي الحيرة، ومن تخصص في الاقتصاد لابد أنه درس مايعرف ب «حيرة السجين» prisoner's dilemma في تحليل «نظرية اللعبة» Game theory. وتقوم القصة على قضية يُتهم فيها شخصان، ويُسجن كل منهما بمفرده، ومن ثم يبدأ المحقق في اللعب على تناقضات ما يقولانه، فإما أن ينكر الاثنان أو يعترف الاثنان أو ينكر أحدهما ويعترف عليه الآخر. وحسب اعترافاتهما يكون الحكم، فإما أن يخرجا معاً أو يسجنا معاً أو يخرج الذي اعترف ويسجن الآخر. وتسمى «حيرة» لأن كل سجين لا يدري ماقاله صاحبه الآخر. تذكرت «حيرة السجين» حينما زرت أقرباء وأصدقاء من المزارعين في «ساجر» و«السر» و«خف» و«القرنة» و«مزارع عنز» و«خريمان» وغيرها، فالحقيقة أن المزارعين الذين تعتريهم الحيرة بين الزرع لدفع أقساط وديون صندوق التنمية الزراعي (البنك سابقاً)، أو التوقف لأن «الصوامع» لم تعد تقبل منهم القمح، والقليل الذي تقبله انخفض سعر شرائه من دون كلفة زراعته. ولو عدنا إلى القصة من البدايات، فالصوامع، ومع هاجس الحفاظ على المياه قررت خفض سعر القمح من ريالين للكيلوغرام إلى ريال واحد فقط، كما صدر قرار مجلس الوزراء بخفض كميات زراعة القمح بمعدل 12.5 في المئة حتى التوقف عنه نهائياً خلال 2016. والقرار مبرر للحفاظ على مخزون المياه الجوفية في المملكة. ولكن هل توقفت الزراعة وحافظنا على المياه؟ الإجابة هي لا ثم لا.ما حصل أن المزارعين وتحت ضغط ديون صندوق التنمية الزراعية توجهوا لزراعة الأعلاف، والمأساة أن الأعلاف تستهلك أربعة أضعاف ما يستهلكه القمح حسب بعض الدراسات. بمعنى أن ماحصل هو استنزاف إضافي للمياه الجوفية، والنتيجة أنه لا قمحاً زُرع ولا ماء تم الحفاظ عليه. وخلال الأسبوع الماضي أعلنت «الصوامع» على لسان مديرها وليد الخريجي، إنهاء إجراءات ترسية الدفعة الرابعة من القمح المستورد لهذا العام بكمية 575 ألف طن، وذكر أنه بهذه الكمية تكون قد تعاقدت منذ بداية العام الحالي على استيراد 1.7 مليون طن من القمح الصلب. وعلى رغم أن الخريجي لم يعلن عن كلفة الطن الواحد من القمح، إلا أن خبراً آخر ذكر أن السعودية استوردت القمح في 2011 بواقع 353 دولاراً للطن، وأن الارتفاع العالمي في سعر القمح يبلغ 10 في المئة تقريباً، ما يعني أننا دفعنا للقمح الأجنبي في 2011 ما معدله 1324 ريالاً للطن، عدا كلفة الشحن والتخزين، وأضف إليها 10 في المئة لاستيراد هذا العام، في حين ندفع للمنتج المحلي ما معدله 1000 ريال فقط للطن (مخصوماً منها الزكاة والشوائب). ولو أعدنا سعر القمح إلى ريالين للكيلوغرام الواحد، لاستفاد مزارعونا وحصلنا على القمح المحلي بالسعر الذي ندفعه عند استيراده من الخارج، ولحفظنا المياه التي استنزفتها زراعة الأعلاف. وإن رأت الصوامع أن هذا غير مناسب أوغير مجد، فليس أقل من إعفاء المزارعين من ديون الصندوق الزراعي، حتى لا يقع المزارع في الحيرة بين منعه من الزراعة بسبب انخفاض السعر، وضرورة تسديد أقساط وديون الصندوق الزراعي، وإلا تم حجز مزرعته وبيعها لاستيفاء ديون الصندوق، والبديل أمامه هو زراعة الأعلاف، والنتيجة المشاهدة والمنتظرة أنه لا مُزارعنا استفاد، ولا المياه تمت المحافظة عليها. وأختم بأنه إن كانت وزارة الزراعة ومعها وزارة المياه والكهرباء جادتين في الحفاظ على المياه، فالأولى هو إيقاف تصديرالمياه الصحية المعبأة والحليب والألبان والعصائر، وهو ما سبق أن طالب به الزميل راشد الفوزان في مقالة له قبل عام تقريباً، أوضح فيها أن انتاج لتر لبن واحد يحتاج 1000 لتر مياه، كما تذكر الدراسات ناهيك عن الأعلاف وغيرها. فعودوا إلى مقالة الفوزان لتعلموا أين مصدر هدر المياه فعلاً؟. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. www.rubbian.com