تنمو في جنبات بعض الشباب روح متمردة لا تنقاد لزي المجتمع ظاهرياً ولا تأبه به اجتماعياً، في حين تبدو أكثر تشدداً في بعض الجزئيات المتعلقة بالدين، تفوق بذلك شدة الشرعيين، ما جعل البعض يطلق عليهم ب «تدين الكدش» أو «طيحني» أو «سكيني». يتجلى هذا التشدد في نظرة هؤلاء الشباب إلى بعض الأحداث السياسية، ففي وقت سابق مثلاً تلمس لدى هذه الشريحة قناعات دينية حول «الجهاد» تفوق بعض السلفيين حدة. وفي الوقت الحالي، تسمع أطروحات حول المرأة تحرمها بعض حقوقها التي أحلها الله، وربما يرفضون بشكل منقطع النظير الاختلافات الشرعية في بعض المسائل كالغناء أو كشف وجه المرأة ونحوها، في حين يصرون على المعاكسات بزي مستحدث يحاكي كل شيء غربي. لا تخطئ عين المتابع للشأن المحلي، كمية التناقض المدفونة في أرض أبنائه، لكن هذا الازدواج أو التناقض كما يسميه الاختصاصيون، ليس حكراً على الشباب السعودي أو العربي فحسب، بل ينساق على بعض الشعوب الأخرى كشباب الصين ونحوهم. تعاطي الجهات المسؤولة في بعض الدول مع هؤلاء الشباب يفوق دولنا العربية كمنع عدد من الشباب من صعود الطائرات بجنز «طيحني»، إذ تناقلت مواقع إعلامية في وقت سابق، قيام سلطات إقليم أتشيه الإندونيسي بحلق شعر 59 من شباب «الكدش» الذين كانوا يستعدون لحضور حفلة لموسيقى «الروك»، كما أزالت الأقراط التي يضعونها في آذانهم، وملابس «طيحني»، ثم وضعتهم لمدة عشرة أيام في دورة مناصحة. أستاذ الأنثروبولوجيا بقسم الدراسات الاجتماعية جامعة الملك سعود الدكتورة سلوى الخطيب ترى في حديث مع «الحياة» أن «التقليد صفة موجودة لدى الشباب، ودائماً ما يكون التقليد من أسفل إلى الأعلى، فالفقير يقلد الغني والضعيف يقلد المنتصر، ونحن نلحظ أننا نقلد الغرب وننظر لأنفسنا نظرة دونية»، ونوهت إلى أن التقليد ظاهرة عالمية، خصوصاً بعد عولمة الثقافة الغربية وغزوها لكل شيء، مشددة على أن الشباب يقلدون من هو أفضل وأكبر وأحسن منهم دائماً. ولفتت الخطيب إلى أن تشدد شباب الكدش وتمسكهم ببعض الموروثات الاجتماعية الخاطئة، يكثر في القضايا المتعلقة بالمرأة، فتجدهم يتشددون في الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة ولا يتقبلون ذلك، في حين يتعلقون بقشور الثقافة الغربية المتعلقة بالشكليات والماديات، من دون التعلق بالقيم الغربية الحميدة كاحترام الوقت والاهتمام بالعلم والمعلومات وغير ذلك. وأشارت إلى أن تغير قيم المورثات الشعبية ليس بالسهولة، إذ قد نقبل بالتغير في الماديات والشكليات، لكن الموروثات الاجتماعية كالنظرة إلى المرأة واحترام الوقت والتعامل مع التقنية لا تتغير بسرعة، مبدية أسفها لأخذنا لشكليات الثقافة الغربية من دون الاهتمام بجوهر تطورهم. وقللت الخطيب من قيمة التقليد وظاهرة «الكدش» و «طيحني» وغيرها ورأت أنها شيء وقتي، وقالت: «مرحلة الشباب تميل إلى التمرد والتغيير من أجل إثبات الوجود، لذا علينا ألا نكثر عليهم من النقد» متمنية أن يكون هناك تمرد مماثل على الجوانب السلبية في مجتمعنا. ووصفت تشدد «تدين الكدش» تجاه المرأة ب «اضطراب» طبيعي نتيجة المرحلة الانتقالية التي يعيشها المجتمع السعودي بعد الطفرة المادية والانفتاح والعولمة، ما أنتج لنا شباباً متحررين جداً يكلمون بنات بتجاوز، وفي الوقت نفسه متحفظون جداً يمانعون من قيادة المرأة بقوة. من جانبه، يقول الأكاديمي الاقتصادي في جامعة الأمير سلطان الدكتور حمزة السالم ل «الحياة» هذه الظاهرة، تدخل ضمن التعويض النفسي، فكأن الشاب الذي وضع شعره بما يسمى «الكدش» أو جنزه على هيئة «طيحني» يحاول دفع الشعور بالتقصير المستقر بداخله، فتراه يتشدد في بعض الأمور كنوع من «الهياط» كما يقول الشباب، معتبراً أن هذا الأمر ليس حباً في الدين ولكن نوعاً من التظاهر ب «المرجلة». وأشار إلى أنك قد تجد شاباً يسمع الغناء وحين تقول له مثلاً إن هناك رأياً يبيح الغناء تراه يرفض هذا الأمر ويشكك في ديانة من يقول، ورأى أن الشاب «المكدش لشعره» حين ينتصر لبعض المفاهيم المتشددة تجاه المرأة أو المسائل الدينية الجزئية فهو يتظاهر بالشجاعة ويسعى إلى الانتصار إلى الثقافة التي عاش فيها. من جانبه، رأى العالم الشرعي زيد الغنام أن بعض المظاهر الحالية لدى الشباب فيها مخالفة للشرع من حيث التشبه بالكفرة والنساء، فضلاً عن أن فيها مخالفة للأعراف الاجتماعية. وقال ل «الحياة»: «لا بد من الاعتدال في الزينة للرجال كما لا بد من أن يكون فيهم خشونة تميزهم عن النساء اللاتي ينشأن في الحلية كما قال تعالى: «أو من ينشئ في الحلية وهو في الخصام غير مبين» مشدداً على ضرورة الاعتدال في الزينة، داعياً المربين إلى أهمية ترشيد الشباب. وأشار إلى أن التناقض الموجود لدى شباب الكدش كأن يحرص على ستر أهله ولبسهم وعدم محادثتهم للرجال الأجانب ومن ثم يرخص لنفسه الحديث مع النساء والبنات، أمر يحمد فيه الشاب على غيرته لأهله لكنه يُطالب بمثل ما يطالِب به أهله. وأضاف: «ترى عدداً من الشباب يتعرف على بنات لسن محافظات، لكنه حين يبحث عن زوجة يبحث عن المحافظة والمحتشمة» وأكد أن الشباب فيهم خير كثير وهذه المظاهر غالباً ما تكثير بين عمر (15و25) وبعد ذلك تزول تدريجياً، معتبراً التشدد في المسائل الشرعية الجزئية والتساهل في الشكل الخارجي يدل على أثر الفطرة فيهم وأنهم من بيئات محافظة. أما الأكاديمي في قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود الدكتور جبرين الجبرين فيرى أن ما يقال عن شباب الكدش قد يقال عن بعض المبتعثين وما يعيشونه من تناقض بين بيئتين مختلفتين، منوهاً إلى صعوبة الربط بين الشكل الخارجي والأفكار الداخلية. واعتبر أن شباب الكدش قد يرفض الخروج عن المألوف الاجتماعي في ما يتعلق بنظرة للمرأة أو المسائل الدينية في حين لا يجد حرجاً في الخروج عن المألوف بشكله الخارجي، ووصف ذلك ب «التناقض»، لافتاً إلى أن عدداً من هؤلاء الشباب ليس متعمقاً في الفكر ولا الثقافة ولا الدين، وليسوا مطلعين على الكتب بشكل جيد، ما قد يجعلهم تقليديين في النظر للواقع.