شكلت استقالة عبدالحميد شومان رئيس مجلس إدارة «البنك العربي»، وعدد من أفراد عائلته، بعد مرور 82 سنة على تأسيس المصرف، مفاجأة كبيرة. ولافت أن الاستقالة نشرتها وسائل الإعلام في الأردن من دون معرفة مجلس إدارة المصرف بهذه الاستقالة أو إخطار البنك المركزي الأردني بها، ما يتعارض مع الأعراف والتقاليد المتبعة، بخاصة أن البنك يعتبر أهم مؤسسة مالية ومصرفية في الأردن نتيجة استحواذه على حصة مهمة من السوق، وتشكل قيمته السوقية نحو 21 في المئة من أسهم الشركات المدرجة في سوق عمان المالية. وتعاملت الجهات الرقابية الأردنية وفي مقدمها البنك المركزي بمهنية عالية مع هذا الموضوع الحساس، وصدر تصريح مقتضب على لسان محافظ البنك المركزي يحمل في طياته مؤشرات ومعلومات مطمئنة للأسواق و للمودعين، وفي سعي للحؤول دون تدهور أسهمه في البورصة. وأكد محافظ «المركزي» في بيانه أن الاستقالة لن تؤثر في أوضاع البنك باعتباره من المؤسسات العربية والوطنية الرائدة، مشيراً الى انه يتابع الوضع المالي للمصرف وسيولته محلياً وإقليمياً ودولياً. ويذكر أن البنك يمتلك 600 فرع موزع في 30 دولة منتشرة في خمس قارات. ثقة المودعين بالمصرف بنيت على مرّ عقود، وبدأت تنمو عندما بادرت إدارة البنك الى تعويض مودعيها بعد حربي 1948 و1967 واحتلال الضفة الغربية. وكان الراحل عبدالحميد شومان (جد الرئيس المستقيل) أسس المصرف في مدينة القدس عام 1930 برأس مال مقداره 15 ألف جنيه فلسطيني، بينما تبلغ حقوق مساهميه اليوم 7.7 بليون دولار ورأس ماله 534 مليون دينار أردني (763 مليون دولار). وأطلق الراحل عبدالحميد شومان اسم «البنك العربي» وليس «بنك فلسطين» على المصرف ليخدم أبناء الأمة العربية كلها. ونقلت إدارته إلى الأردن عام 1948 واعتبر رسمياً شركة مساهمة عامة أردنية وأُدرجت أسهمه في سوق عمان المالية عند تأسيسها. انتقلت إدارة البنك إلى عبدالمجيد شومان، ابن المؤسس بعد وفاة الأخير عام 1974. وعام 2001 تولى عبدالحميد شومان الابن منصب نائب رئيس مجلس الإدارة المدير العام للبنك وأصبح في عام 2005 رئيساً لمجلس الإدارة المدير العام. وبعد فصل وظيفة رئيس مجلس الإدارة عن وظيفة المدير العام للبنك أصبح عبدالحميد شومان رئيساً لمجلس الإدارة ونعمة الصباغ وهو فلسطيني الأصل ولبناني الجنسية ومن أقرب المقربين لرئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، مديراً عاماً. بعد تحقيق البنك إنجازات قياسية متراكمة منذ تأسيسه، فإن أداءه بدأ يتأثر سلباً بتداعيات الأزمة المالية العالمية والأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، بخاصة أنه منتشر كما أشرنا في 30 دولة وبدأت الأرباح في التراجع خلال عامي 2009-2010 باعتبارها أعواماً شهدت تحديات في ظل تباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي، كما تأثرت اقتصادات معظم دول المنطقة بتداعيات ثورات «الربيع العربي». إلا أن نتائج البنك خلال عام 2011 والنصف الأول من العام الحالي، أظهرت تحسناً واضحاً في الأداء حيث بلغت نسبة النمو في أرباح البنك عام 2011، 13 في المئة مقارنة بعام 2010، وبلغت نسبة النمو خلال النصف الأول من هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، 10 في المئة. كما لاحظنا ارتفاع حجم الودائع لدى البنك والذي يعكس مستوى الثقة العالية والراسخة لزبائنه في ما يتعلق بمتانة مركزه المالي وقوة قاعدته الرأسمالية، إضافة إلى أن نسبة كفاية رأس المال بلغت 15.1 في المئة نهاية العام الماضي، مقتربة من ضعف الحد الأدنى المطلوب وفقاً للجنة بازل والبالغ 8 في المئة. ويذكر ان «البنك العربي» وزع أرباحاً نقدية بلغت 25 في المئة عن عام 2011، كما ان قراره بشراء جزء من أسهمه من السوق مؤشر أيضاً على قوة سيولته النقدية. بعد استقالة عبدالحميد شومان وأفراد عائلته، اجتمع مجلس الإدارة وانتخب صبيح المصري رجل الأعمال الفلسطيني المعروف رئيساً لمجلس الإدارة. ولافت أن سعر أسهم البنك ارتفع بنسبة كبيرة خلال الأيام الماضية. ولا تتوافر معلومات عن احتمال ان يكون الهدف من ارتفاع حجم الطلب الكبير عليها هدفاً استثمارياً، أو هو ناتج من زيادة حصة بعض الأطراف، أو ان الهدف منه طمأنة مساهمي البنك ودعم الإدارة الجديدة، مع العلم أن هنالك إجماعاً على عدم تأثر البنك بهذه الاستقالة نتيجة سلامة النهج الاستراتيجي الذي يتمتع به والمرتكز على أساسيات العمل المصرفي السليم. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبوظبي الوطني»