ذات يوم كان عالم النقد السينمائي في الولاياتالمتحدة الأميركية كما في انحاء عديدة من العالم، يعتبر المخرج، الشاب في ذلك الحين، مايكل تشيمينو واحداً من اصحاب الأسماء التي ستكون ذات شأن كبير في مستقبل السينما. والرجل، بعد فوزه المبهر بالأوسكار عن فيلمه «صائد الغزلان» الذي كان في العام 1976 واحداً من اول الأفلام الكبيرة التي تتصدى لحرب فييتنام وتأثيرها على الأميركيين انفسهم، لم يخيّب الآمال التي عقدت عليه. فهو حقق خلال الأعوام التالية عدداً من الأفلام الناجحة... غير ان هوليوود عادت لتتخلى عنه بالتدريج بعد ان راح الجمهور يدبر عن افلامه لأسباب تعصى حتى اليوم على اي تحليل منطقي. ابتعاد متدرّج والغريب في الأمر ان حركة الجمهور تجاه افلام تشيمينو راحت تتقلص بشكل منتظم منذ عرضت تحفته الإستثنائية التالية ل «صائد الغزلان»، «باب الجنة» مروراً بأفلامه التالية «عام التنين» (1985) و «الصيقلي» (1987) – وهذا عن رواية لماريو بوتزو مؤلف «العراب» – ثم «ساعات يائسة» (1990) وصولاً الى «سانتشيزر» في العام 1996 والذي بعدما رشّح لنيل السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي في ذلك العام اعتبر واحداً من افشل الأفلام تجارياً في تاريخ هوليوود الحديث، حيث ان مداخيل عروضه الأولى لم تزد على ثلاثين ألف دولار (!)... ما اضطر المخرج الى التوقف عن الإخراج نهائياً مكتفياً بعد ذلك بتحقيق فيلم من ثلاث دقائق ضمن اطار فيلم جماعي لمهرجان «كان» في العام 2007. وفي تلك الأثناء انصرف الى كتابة الرواية محققاً هنا نجاحاً لا بأس به، ومؤكداً ربما في طريقه على ما قالته عنه الناقدة الراحلة بولين كايل من انه صاحب افكار جيدة لكنه لا يعرف كيف يقف وراء الكاميرا. قد يكون هذا الحكم ظالماً لكن الحقيقة تبقى ماثلة: من بين كل السينمائيين الهوليووديين الأحياء، يتفرد تشيمينو بكونه صاحب العدد الأكبر من المشاريع السينمائية التي لم تتحقق، او بالأحرى لم يحققها هو... وذلك لأننا اذا استعرضنا نحو خمسة عشر عنواناً لأفلام كان من المفترض ان يحققها هو اول الأمر، سنجد ان معظمها اسند الى غيره من المخرجين بعد تفكير... انها لعنة اكيدة. ومع هذا ها هو مهرجان البندقية يعيد الإعتبار الى هذا الفنان المنسيّ، عبر تكريم خاص اقيم في حضوره مساء أمس الخميس بعد عرض خاص لفيلمه الأجمل، والكارثي كذلك من ناحية فشله في استقطاب ما يكفي من المتفرجين لتحقيق مردودات توازي المبالغ الضخمة التي انفقت عليه يوم كان لا يزال في وسع المخرج ان يملي شروطه على هوليوود، حيث من المعروف ان فيلم «الويسترن الإنساني» هذا لم يدخل منذ عرضه الأول اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون من الدولارات مقابل ثلاثة اضعاف هذا المبلغ انفقت عليه. عودة الى الجذور مهما يكن من أمر، بخسارة او من دونها، يبقى «باب السماء» وغيره من أفلام تشيمينو علامات أساسية في تاريخ السينما... ولعل هذا ما من المفترض ان يكون قد شعر به كلّ واحد من المتفرجين المشاركين الذين احتفلوا امس بهذا الفنان المنسيّ في اول تكريم له... وبالتحديد في وطن جدوده وآبائه، إذ علينا الا ننسى هنا ان مايكل تشيمينو، مثله في هذا مثل فرانسس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وبرايان دي بالما، من أصول ايطالية... ولعل فيلمه «الصيقلي» من تمثيل الفرنسي كريستوفر لامبرت، كان خير معبر عن ارتباطه بتلك الجذور.