تسلا تحذر من أنها قد تصبح هدفا لرسوم جمركية مضادة    خناقة بمسجد!    النائب العام يُقر إدراج الشبو من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف الرئيسية    ضبط هندي في جازان لترويجه (25) كجم "قات"    "الخارجية الفلسطينية" ترحّب بتقرير اللجنة الأممية    دارة الملك عبدالعزيز تستعرض أبرز إصداراتها في معرض لندن الدولي للكتاب 2025    الاتحاد الآسيوي يوضح آلية قرعة دوري أبطال آسيا للنخبة    "الأرصاد": استمرار هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    أمير المدينة يطلق حملة لدعم أسر السجناء والمفرج عنهم    الرويلي ينظم حفلاً ليوم التأسيس ويكرم جمعية المحترفين للبحث والإنقاذ    الإصابة تحرم ريال مدريد من جهود ميندي لبعض الوقت    بوتين يقول إنه "يؤيد" وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما لكن "هناك خلافات دقيقة"    أميركا تفرض عقوبات على وزير النفط الإيراني    «هيئة بشؤون الحرمين» تخصص 400 عربة قولف لكبار السن وذوي الإعاقة    الاتحاد السعودي للتايكوندو يستعين بخبير عالمي لتطوير التحكيم    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يستعرض المراحل ومسارات التنفيذ    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الرياض    افضل تجربة تصوير هاتف في فئته بالعالم: سلسلة CAMON 40 من TECNO    أمير جازان يشارك منسوبي إمارة المنطقة الإفطار الرمضاني السنوي    موقف ميتروفيتش من مواجهة التعاون    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة نورة بنت بندر بن محمد آل عبدالرحمن آل سعود    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة السودان    خلال مبادرة "شرقيتنا خضراء".. زراعة أكثر من 3 مليون و600 ألف زهرة 550 ألف شجرة في 18 حي    ارتفاع أسعار الذهب وسط مخاوف الرسوم الجمركية وبيانات التضخم المتفائلة    خسوف كلي للقمر يشاهد من أجزاء من الوطن العربي    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    «السداسي العربي» يبحث مع ويتكوف خطة إعمار غزة.. ترامب يتراجع عن «التهجير»    الشرطة تطيح بسارقة حليب الأطفال    بحضور عدد من قيادات التعليم.. انطلاق «قدرات» الرمضانية في جدة التاريخية    إدخال السرور على الأسر المتعففة.. «كسوة» تطلق سوقها الخيري الخامس    محافظ جدة يشارك أبناء وبنات شهداء الواجب حفل الإفطار    القيادة تهنئ رئيس موريشيوس بذكرى استقلال بلاده    الاتفاق يودع دوري أبطال الخليج    "الرياض" تشهد ختام موسم سباقات الخيل    عناوينه وثّقت محطات مهمة في تاريخ المملكة.. الموت يغيب خوجه خطاط «البلاد» والعملة السعودية    «تعليم الطائف» يكرم المتأهلين لنهائي «إبداع 2025»    77 حالة اشتباه بتستر تجاري    المفتي ونائبه يتسلمان تقرير فرع الإفتاء بالشرقية    صندوق الموارد يدعم 268 شهادة مهنية    ملبوسات الأطفال في رمضان.. تعكس هوية الشمالية    أمير القصيم يزور شرطة المنطقة ويشارك رجال الأمن مأدبة الإفطار    عَلَمُنا.. ملحمتنا الوطنية    الحرص على روافد المعرفة    روحانية الشهر الكريم    التسليح النووي: سباق لا ينتهي نحو القوة والردع    السمات الشخصية المظلمة في بيئة العمل    السهر في رمضان.. تراجع إنتاجية العمل    الأمن العام والدفاع المدني يشاركان في معرض «الداخلية»    مركز جراحة المخ والأعصاب بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يعيد الحركة لمراجعة وينهي معاناتها مع الآلام    52 خزانا تنقل وتوزع المياه المجددة    سعوديات يدرن مركز الترميم بمكتبة المؤسس    إدارة الحشود في المسجد الحرام بالذكاء الاصطناعي    الزواج من البعيدة أفضل!    الشباب شغوفون بالطائرة والمشي يستهوي الفتيات    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    دلالات عظيمة ليوم العلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«يا مريم» صرخة تكشف آلام الأقليات
نشر في الحياة يوم 26 - 08 - 2012

«إنت عايش بالماضي عمّو»... بهذه الجملة-العقدة يفتتح الشاعر والكاتب العراقي سنان أنطون روايته الصادرة حديثاً عن «منشورات الجمل» بعنوان «يا مريم». هذه العبارة سقطت من فم «مها» على رأس قريبها الثمانيني توبيخاً له، ليتبيّن لاحقاً أنها نتجت عن جدال دار بينهما حول وضع الأقليات المسيحية في العراق.
ترمي الشابة جملتها بانفعال وتصعد إلى غرفتها تاركةً «يوسف» صريع أسئلة مُلحّة سرعان ما يختلق لها الإجوبة: «هل أعيش حقاً في الماضي؟ وكيف لا يعيش من كان بعمري في الماضي، ولو بعض الشيء؟ أنا في العقد الثامن من عمر صار معظمه في عداد الماضي ولم يبقَ منه الكثير، أمّا هي، فما زالت في بداية العشرينيات ومازال المستقبل كلّه أمامها، مهما بدا الحاضر قاتماً» (ص10).
فتح يوسف بيته لقريبته الشابة وزوجها لؤي بعدما هُجّرت عائلتُها إلى شمال العراق وخارجه، وعلى الرغم من وجعها العميق، رفضت مها ترك بغداد والهجرة إلى كندا قبل الحصول على الشهادة، خوفاً على ضياع سنوات الدراسة التي لا تُعدّل قبل الحصول على شهادة الاختصاص.
تعيش مها حالة اكتئاب، نتيجة الوضع الذي اختبرته وأهلها، في ظل تهديد وتهجير وتشتيت و «تذبيح»، ليكتمل سيناريو آلامها بسقوط جنينها إثر نوبة هلع أصابتها بعد تفجير حصل في الحيّ «المسيحي» الذي كانت تقطنه وعائلة زوجها.
الويلات المتلاحقة ولّدت لدى مها شعوراً بأنها مُستهدفة في بلد يُشكّل المسلمون غالبيته الساحقة، ما أوجد لديها نقمة ضدّ «الآخر»، الذي شرّدها وحرمها استقرارها وأهلها وجنينها. هذه «النقمة» كانت أساس المشكلة التي نشبت بين «مها» و «يوسف»، المؤمن بأن أبناء العراق كلهم ضحايا مصالح الدول والسياسات.
بين الماضي والحاضر
ظروف العراق القاسية جمعت يوسف ومها تحت سقف واحد، فوجد يوسف في ضيفته بديلاً من شقيقته وشريكة حياته المتوفاة «حنّة». ومها بدورها، وجدت في العم يوسف ملجأها الآمن إلى حين الحصول على شهادة تُغادر بعدها «عراقها» الدموي، بحثاً عن وطن بديل لا تحسّ فيه أنها آتية من كوكب آخر، فهي تعيش غربة حقيقية داخل وطنها: «النظرات التي أشعر وكأن أصحابها يلتقطون صور أشعة اجتماعية ليحددوا طبيعة مرضي ونجاستي، لأني لست مثلهم أو من ملّتهم» (ص110)، بل إن الناس والجماد صارا يكرّسان أيضاً هذا الاختلاف: «تعبت، لأن كل شيء وكل شخص يُذكرني، بمناسبة ومن دونها، بأني أقليّة» (ص 112).
أحداث الرواية الأساسية تدور في يوم واحد، إلاّ أن الكاتب اعتمد في تقديمها التقطيع السينمائي، مُستخدماً الكثير من التقنيات السردية، كالاسترجاع الزمني والاستقدام والتكرار... فجاءت الأحداث على لسان ثلاثة رواة، لكلّ منهم رؤيته وأسلوبه و «تبئيره». هكذا يُتابع القارئ مأساة الأقليات المسيحية العراقية من خلال رؤيتين متناقضتين لشخصيتين جمعتهما الظروف في بيت واحد.
يُمسك البطل الثمانيني طرف السرد ليروي ذكرياته القديمة من خلال «صور» شخصيات وأماكن وحقبات زمنية مختلفة تُضيء «عراق الأمس». ثمّ تأخذ مها مهمة السرد لتروي حقيقة الحياة التي تعيشها كغريبة ومُهددة في «عراق اليوم». ويفصل بينهما راوٍ ثالث (خارج الحكاية) يتوجّه مباشرة إلى القارئ ويسرد الأحداث بضمير الغائب.
يستعيد يوسف طفولته في كنف أسرة مسيحية وصديقين مقربين أحدهما مُسلم «سالم حسين» (درس الطب وهاجر) والثاني يهودي «نسيم حزقيل» (رُحّل وعائلته إلى إسرائيل بعد إصدار قانون إسقاط الجنسية عن اليهود عام 1950 وحملة تهجير اليهود من العراق)، ثم يتذكر مرحلة عمله الطويلة في «هيئة التمور»، حيث أُغرم بفتاة مسلمة حالت العقبات دون ارتباطهما. تستحضر مها-الراوية بعدها مسلسل هِجرتها ومأساتها في بلد ملتهب تَشَكّلَ وعيُها الأول فيه داخل ملجأ تشرّبت فيه كل معاني القلق والخوف والمأساة، ثمّ تسترجع وجعها الأكبر لدى سقوط جنينها، لتُصبح صورة السيدة العذراء عزاءها الوحيد.
واقع الأقليات
تعود المشادّة الكلامية، التي انطلقت منها أحداث الرواية، مراراً وتكراراً مع تغيّر الرواة، وبأساليب تتبدّل من التفصيل إلى الاختصار، بغية تحديد الاختلاف في وجهات النظر، فيُساهم تكرار السرد هنا في كشف الخلفيات النفسية والأبعاد الشخصية لبطلي الرواية الأساسيين: يوسف ومها.
ويتبيّن لنا في ما بعد، أن انفعال مها «المقهورة» لم ينجم إلا عن تفاؤل يوسف بالأيام المقبلة، استناداً إلى معرفته بالتاريخ: «عيني أكو بلدان وشعوب مرّت بأوضاع أسوأ وبعدين هم استقرّت الأمور. هاي حركة التاريخ... عيني مع احترامي إنتي بعدكي صغيرة. هذا اللي يصير طارئ. أيام زمان...»، فتُقاطعه «مها» مُطلقة «صرختها» المدوية: «يا تاريخ، الله يخليك، تره انت عيّش بالماضي عمّو». وتُختتم الرواية بفصل «الذبيحة الإلهية»، الذي يشهد انفجاراً في الكنيسة حيث كان يُصلّى على راحة نفس «حنة»، فيُقتل العشرات، ومنهم يوسف، الذي أبى أن يترك العراق وظل متمسكاً حتى اللحظة الأخيرة بأمل عودة العراق وطناً جامعاً لكل أبنائه.
وبعد نجاة مها بأعجوبة من حادثة انفجار الكنيسة، تُستدعى للإدلاء بشهادتها ضمن برنامج تلفزيوني بثته قناة «عشتار» الفضائية، وفيه تقول: «اسمي مها جورج حداد. أنا طالبة بكلية الطب بجامعة بغداد، كنت واحدة من الرهائن اللي كانوا بكنيسة سيدة النجاة يوم 31 تشرين الأول، اليوم اللي صار بيه الهجوم الإرهابي. إحنا عادة نروح للكنيسة كل أحد، أنا وزوجي، بس صدفت هذاك اليوم ما قدر ييجي، لأن كان عنده التزام وتأخر بالشغل. القداس خلص حوالى الساعة خمسة وربع. وكل شي كان طبيعي إلى هذيك اللحظة...» (ص 150).
يعتمد الكاتب في شكل كبير على الحوارات التي ينقلها بلسان أصحابها، فتطغى اللغة المحكية وتكثر المفردات العراقية العامية لتضفي مزيداً من الواقعية على الرواية، علماً أن أحداثها مستوحاة من التفجير الذي طاول كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد. واللافت أيضاً غنى العمل بالتناص التاريخي وتكثيف الأسماء والأحداث والتواريخ الواقعية، من سقوط النظام الملكي في العراق، إلى حكم صدّام، فحرب الخليج، وحصار عام 1991، وصولا إلى دخول أميركا وسقوط صدام وظهور الجماعات الإرهابية.
«يا مريم»، الجملة الأخيرة التي تمتمها يوسف وهو ينزف في الكنيسة، تُمثّل عنوان الرواية. عنوان سخيّ يحمل في ذاته نداءً وصلاة، نداء إلى السيدة العذراء لتُلهمهم شيئاً من صبرها، وصلاة باسمها علّهم يجدون الخلاص من نفق مُظلم يبدو الخروج منه مهمة شبه مستحيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.