«بات على الأطراف اللبنانيين أن ينسوا ميشال سليمان الذي يعرفونه منذ انتخابه في أيار 2008». هذا ما يقوله بعض المحيطين بالرئيس اللبناني في تعليقهم على ردود فعل قوى سياسية تفاجأ أو تمتعض من بعض مواقفه في الآونة الأخيرة، إن في ما يتعلق بتداعيات الأزمة السورية على لبنان، أم في شأن إصراره على انعقاد هيئة الحوار الوطني وجدول أعمالها المتعلق بالاستراتيجية الدفاعية وانتشار السلاح، أم في شأن الوضع الأمني الداخلي الذي شهد اهتزازات كبيرة متنقلة على مدى الأسابيع الماضية...إلخ. وعليه، فإن الكثير من الذين تابعوا مواقف سليمان في الأشهر الأخيرة من وزراء وسياسيين، توقفوا أمام المستجدات فيها لأنهم وجدوا فيها تشدداً إزاء بعض القضايا قياساً إلى حرصه على أسلوب الليونة والمهادنة الذي سبق له أن اتبعه في مراحل سابقة حرصاً منه على عدم الاصطدام بالقوى الفاعلة التي تتمتع بعصبية في الشارع، في ظل ضعف قدرات الدولة والقوى الأمنية في مواجهتها. تمايز عن دمشق ويقول مصدر وزاري راقب سلوك الرئيس سليمان في الأشهر الأخيرة أن بعض الفرقاء أخذ يتفاجأ ببعض مواقفه حيال الوضع في سورية لأن هؤلاء الفرقاء معتادون على أسلوب الرئيس السابق إميل لحود بالتماهي الكامل مع القيادة السورية. فسليمان أخذ مواقف متمايزة عن دمشق في وقت كانت وحلفاؤها ينتظرون منه، على رغم اعتماد سياسة النأي بالنفس، أن يراعي القيادة السورية والتأييد الواضح لها من قبل «حزب الله» خصوصاً، وأن يمرر لها التبريرات التي تطرحها انطلاقاً من الساحة اللبنانية لتسويق ما تعلنه بأن ما تواجهه هو أعمال إرهابية وليس ثورة شعبية. وهي أرادت من وراء تكرار حلفائها في لبنان ما جاء في المذكرة السورية إلى مجلس الأمن في 18 أيار (مايو) الماضي عن أن تنظيم «القاعدة» يتحرك من الأراضي اللبنانية نحو الأراضي السورية وأن الدول الخليجية تمول قواعد «الجيش السوري الحر» وأن تيار «المستقبل» يهرّب السلاح والمسلحين من الشمال إلى الأراضي السورية، أن تغلب نظرتها إلى الصراع الدائر بين النظام وبين المعارضة. لكن سليمان نفى كل ذلك وأسقط من يدها تلك الحجج التي كانت تستخدمها هي والحلفاء، والتي جرت العادة على أن تساعدها المؤسسات اللبنانية الرسمية على تسويقها في اتجاه دول الغرب والمجتمع الدولي. وفي المقابل واجه سليمان اشتراطات خصوم سورية، أي قوى 14 آذار، بوجوب استقالة الحكومة قبل انعقاد طاولة الحوار مجدداً حين سعى إلى إحيائها في 11 حزيران (يونيو) الماضي واعتبر أن هذا الشرط تعجيزي وأن لاستقالة الحكومة أصولاً ولا يمكن ربطها بحضور الحوار. ويقول مصدر سياسي واكب ردود الفعل على مواقف رئيس الجمهورية إنه إذا كانت قوى 8 آذار وحلفاء دمشق والقيادة السورية نفسها، عبروا عن انزعاجهم من بعض مواقف سليمان بدليل رد السفير السوري علي عبد الكريم علي على طلبه الاحتجاج لدى دمشق على الخروق السورية للحدود وقبلها على استشهاد المصور في قناة «الجديد» الزميل علي شعبان إلى حد حصول نوع من التصادم الكلامي بينهما في إحدى الجلسات، فإن العلاقة بينه وبين قوى 14 آذار لم تخلُ من التوترات، على رغم ترحيبها بما اعتبرته مواقف سيادية اتخذها حيال التجاوزات السورية على الأرض اللبنانية. أسباب امتعاض «8آذار» وبات واضحاً لمعظم الوسط السياسي أن امتعاض قوى 8 آذار من مواقف الرئيس بلغ ذروته في محطتين بارزتين: - بعد الانزعاج من جدول أعمال الحوار جاء تأكيده في خطاب عيد الجيش في 1 آب (أغسطس) أن «لا شراكة مع الجيش والقوى الشرعية الرسمية في الأمن والسيادة واحتكار القوة التي هي حق حصري للدولة»، ليزيد توجس هذا الفريق من توجهاته. ثم حديثه عن حاجة معادلة الجيش والشعب والمقاومة إلى جهة تحدد التعاون بين المكونات الثلاثة لهذه المعادلة قاصداً الدولة والجيش. وهو أمر يناقض إصرار الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله على صيغة التنسيق بين الجيش والمقاومة في خطاباته الأخيرة. وإزاء امتعاض الحزب فإن سليمان أكد، بحسب مصادر رسمية، أن جدول الأعمال تحدد وفقاً لما كان محدداً سابقاً واتفاق الدوحة الذي وافق عليه الجميع فضلاً عن أنه كرئيس للجمهورية عليه أن يراعي ما يطالب به فريق آخر في البلد يستمر في إثارة مسألة السلاح. - إن الوقائع التي اطلع عليها في ملف توقيف الوزير السابق ميشال سماحة واتهام رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي المملوك دفعته إلى موقف متشدد إزاء ما تضمنته عن التحضير لمخطط تفجيرات لافتعال فتنة طائفية ومذهبية، وهاله أن تكون الأمور بلغت هذا القدر من استهداف الاستقرار المهتز أصلاً. وهو ما جعله يطلق موقفاً غير مسبوق بقوله أنه ينتظر اتصالاً من الرئيس السوري بشار الأسد ليشرح له ما لديه عن اتهام مسؤول سوري بهذا المخطط. ويقول بعض المتابعين أنه مقابل امتناع الأسد عن التوضيح، امتنع سليمان عن معايدة الرئيس السوري في عيد الفطر كما جرت العادة، فيما يسجل البعض الآخر عدم معايدة الأسد لنظيره اللبناني، ما يدل إلى أن العلاقة تراجعت إلى أدنى الحدود. فبعض محيط الرئيس لا يستبعد أن يكون التلويح السوري بإصدار استنابات قضائية ضد قيادات لبنانية رداً على موقفه من ملف سماحة. في العلاقة مع «14آذار» أما في العلاقة مع قوى 14 آذار فإن المتابعين لسلوك سليمان معها يشيرون إلى الآتي: - أنه تفهم ربط المعارضة حضورها جلسة الحوار في 25 تموز (يوليو) الماضي بحصول الأجهزة الأمنية على داتا الاتصالات الخليوية للتحقيق في محاولتي اغتيال 2 من قادتها (سمير جعجع وبطرس حرب) لأن من واجبات الدولة القيام بكل ما يلزم في مواجهة التهديدات الأمنية للقادة، فأجل الجلسة وعمل على تسليم الداتا (وهو ما أزعج 8 آذار)، لكنه لم يقبل ترددها في حضور اجتماع 16 تموز. وأبلغ قادتها: تودون الحضور فأهلاً وسهلاً وإذا كنتم لا ترغبون «اصطفلوا» وتحملوا المسؤولية فالاجتماع قائم. - إن الرئيس لم يقبل الموقف الذي اتخذه بعض قادة قوى 14 آذار ولا سيما زعيم تيار «المستقبل « رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من إقرار الحكومة مشروع قانون الانتخاب على أساس النسبية و13 دائرة، حين اتصل به الأخير وحمله مسؤولية الموافقة على إلغاء فريق في البلاد من خلال هذا القانون وقال كلاماً قاسياً فرد عليه بكلام قاس بدوره ودعاه إلى قول موقفه من المشروع في البرلمان وفق الأصول بدل التوجه إليه بهذا الأسلوب. يسرد المحيطون بسليمان الكثير من الوقائع للدلالة إلى اضطراره خلال الأشهر الماضية لاتخاذ مواقف حازمة، ويردون ذلك إلى شعوره بتناقص هيبة الدولة وشلل الحكومة بفعل التناقضات التي تعطلها، وهو ما أجبره على ملاحقة عمل بعض الوزراء في شكل مباشر لاتخاذ بعض الخطوات المتعلقة بواجبات المؤسسات لا سيما في الأحداث الأخيرة وبإصرار قل نظيره. ويقول البعض أن سليمان قرر أن يتصرف في السنتين الأخيرتين من عهده في شكل مختلف عن السابق وعدم مراعاة الآخرين بعد الآن. تداعيات الأزمة السورية ويرد بعض محيطه على قول بعض أوساط قوى 8 آذار بأنه يستند إلى التغييرات التي طرأت بعد اندلاع الأزمة السورية في تغيير سلوكه بالقول إن الرئيس لا يخفي الحاجة إلى التأقلم مع التغييرات في المنطقة، بل هو قال في خطاب 1 آب للعسكريين في سياق حديثه عن «التغيير في البيئة المحيطة»، أنه «قد يحتم عليكم ممارسة دور أكبر وأكثر طليعية في ظل احتمال تبدل التوازنات الاستراتيجية». ويضيف العارفون أنه بغض النظر عن البراغماتية التي تفرض التكيف مع التغييرات في موازين القوى، فإن تحذيره، مثل غيره، من التداعيات السلبية للأزمة السورية على لبنان والمخاوف منها حتى بعد انتهائها يحتم عليه الاحتياط منذ الآن إلى ما يمكن أن تجره على لبنان وبالتالي يسعى إلى الارتكاز في مواقفه الجديدة إلى المبادئ العامة التي تحكم دور الرئاسة في التعاطي مع دور الدولة كضامن للحؤول دون تعميق الانقسام الداخلي وكملجأ للإمرة على السلاح. هذا فضلاً عن دوره في قيادة الحوار على أسس إعلان بعبدا على الصعيد السياسي. ثمة سبب آخر بالنسبة إلى بعض المراقبين يدفع سليمان إلى اللهجة الحازمة في مواقفه هو أن تركيزه على ضرورة إيلاء الأقليات مصالحها ودورها في التغييرات الإقليمية مبرر أساسي لمحاولة استعادة المسيحيين الذين يتبوأ المركز الأول الذي يمثلهم في البلد (وفي المنطقة) دورهم في التوازنات المقبلة على لبنان وفي إحداث توازن في الصراع الناجم عن الخلاف على الأزمة السورية. ومع إدراكه أن بعض الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان موجه ضد سياسته، فإنه تلقى رسائل بهذا المعنى من فرقاء في 8 آذار. إلا أن سليمان، وفق ما ينقل عنه زواره، يرد بالقول: «أنا أقوم بقناعاتي وبما تمليه مصلحة البلد والدستور وله علاقة بمبدأ وجود الدولة وحضورها وليس بالموقف السياسي»، وهو لن يستسلم للأمر الواقع الحالي.