تتفق أوساط سياسية مراقبة في بيروت مع مصدر سياسي بارز على القول إن هناك فرصة سياسية سانحة وذهبية لإحداث نقلة جديدة في العلاقات اللبنانية – السورية خلال زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري المرتقبة لدمشق في الأسابيع القليلة المقبلة، والتي تتسارع التحضيرات لها كي تنتج منها خطوات عملية جديدة على صعيد تطبيع العلاقة بين البلدين على أسس جديدة. وأبرز هذه التحضيرات الزيارة المرتقبة للوفد الإداري التقني الذي يضم المديرين العامين لعدد من الوزارات إضافة الى الخبراء لدمشق غداً الاثنين برئاسة وزير الدولة جان أوغاسبيان للقاء نظرائهم السوريين ومناقشة الملاحظات على بعض الاتفاقات والبروتوكولات والتفاهمات الموقعة بين لبنان وسورية ومسودات اتفاقات جديدة قد توقع عند زيارة الحريري مع وفد يضم الوزراء المختصين. وتعتقد الأوساط المراقبة أن الفرصة سانحة لتشكل الزيارة محطة مهمة لاستعادة العلاقات بين البلدين مقداراً من الاستقرار المبني على علاقة المؤسسات من جهة، وعلى تبديد الأجواء السائدة في بيروت بأن دمشق تريد من علاقتها مع الحريري العودة الى ممارسة دور في التركيبة الداخلية للسلطة السياسية، كما في السابق أيام والده الراحل الرئيس رفيق الحريري حين كانت تطلب منه استبعاد هذا أو تقريب ذاك من حلفائها، أو أن ينحاز الى أجندة لبنانية خاصة بها غير آبهة بطبيعة التوازنات اللبنانية الداخلية، وهو ما سبق أن راكم أخطاء في التعاطي مع الوضع اللبناني الداخلي، ولّدت تراكماً من الشعور بالقهر والإملاء والإخضاع، ساهمت في رد الفعل الذي حصل عام 2005 وجرّ الى تعاظم الخلاف، الذي لم تكن أسبابه خارجية فقط كما ترى القيادة السورية وحلفاؤها في لبنان. ويضيف المصدر السياسي البارز أن الفرصة سانحة لاستعادة العلاقة الصحية بين لبنان وسورية، على أن يسعى الجانبان الى التقاطها كل من طرفه بحيث يخرج كل منهما من ترسبات مراحل سابقة من الصراع من دون أن يعني ذلك عدم الأخذ بعِبَر الماضي. ويرى المصدر نفسه أن الزيارة المرتقبة للحريري، ستتم على الأرجح بعيد أيام على الذكرى الخامسة لانسحاب الجيش السوري في 26 نيسان (ابريل) 2005 والتي تحل بعد 8 أيام. وبالتالي سيكون مجافياً للواقع والحقائق أن ينظر البعض الى استعادة العلاقة بين البلدين كأن السنوات الخمس التي مرت لا وجود لها، وبالتالي يمكن أن تعود سورية الى ممارسة دورها في لبنان كما كانت تمارسه في السابق وأن اللبنانيين الذين سلّموا بأنها حققت نجاحات وصمدت في مواجهة الضغوط العربية والدولية عليها، سيعودون الى التسليم بدورها الداخلي كأن شيئاً لم يحصل خلال السنوات الخمس الماضية من المطالبات باستقلال لبنان وحفظ سيادته وإقامة العلاقات الديبلوماسية، فضلاً عن وجود مطالب معلّقة من لبنان، على رغم أن محاولة انتزاعها بالضغط على دمشق غير ممكن كما أثبتت التجربة. التحولات الاقليمية ويرى المصدر نفسه أنه مهما كابر بعض الفرقاء الحلفاء لدمشق، فإن ميزان القوى الداخلي تغيّر في السنوات الخمس الماضية عما كان عليه قبل عام 2005، على رغم المحاولات من هؤلاء الحلفاء لتعطيل نتائج الانتخابات النيابية وعلى رغم أحداث 7 أيار 2008، وأن المراهنة على انقلاب الأكثرية لمصلحة هؤلاء الحلفاء بخروج رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط من «قوى 14 آذار»، فإن الأشهر القليلة الماضية أثبتت أنه لم ينضم الى «قوى 8 آذار»، وأنه يحتفظ لنفسه بموقع وسطي مع الإبقاء على صلته الوثيقة بالحريري على رغم ما يعتريها من ثغرات بين الحين والآخر. ويقول المصدر نفسه إن تجاهل ما حصل في السنوات الخمس الماضية على رغم مبالغات بعض «قوى 14 آذار» في الخصومة مع سورية في محطات عدة، وبعض القوى الخارجية كذلك يعني قراءة مجتزأة للتحولات الإقليمية والدولية التي فتحت الباب على عودة سورية للعب دور في لبنان، إذ أن هذه التحولات أعادت تأكيد نفوذ سورية والدليل مساهمتها في تسهيل تأليف حكومة الوحدة الوطنية قبل زهاء 5 أشهر، في إطار المصالحات العربية، لكن هذا تم من دون تجديد التفويض الذي أعطي لسورية بإدارة شؤونه الداخلية كما في السابق. ويتابع المصدر السياسي البارز أن بعض حلفاء دمشق يتصرف على أن التفويض عاد إليها في وقت هذا لم يحصل وأن إحجام قوى خارجية لعبت دوراً في متابعة ومواكبة الوضع الداخلي اللبناني في السنوات الخمس الماضية، عن التدخل في التفاصيل اللبنانية، مثل المملكة العربية السعودية، لا يعني تجديد التفويض، بمقدار ما يعني دعوة الجانبين السوري واللبناني الى صوغ علاقة جديدة متوازنة مع الأخذ في الاعتبار الحاجة الى الاستقرار في لبنان، الذي على الفريقين المساهمة فيه، بموازاة جهود ترتيب شؤون البيت العربي بعد المصالحة بين الرياضودمشق. لكن هذا الاستنتاج يوجب في المقابل على الجانب اللبناني أخذ المبادرات لتطمين الجانب السوري الى مصالحه في العلاقة مع لبنان في الأمن والسياسة الخارجية على وقع التقدم في المصالحات العربية وفي ظل تراجع الاهتمام العربي بالوضع اللبناني الداخلي. العلاقة على «القطعة» إلا أن هذا يفترض ألا يقود الى عودة الأسلوب القديم من جانب دمشق وحلفائها كما يقول المصدر السياسي نفسه، أي أن تترك ل «قوى 8 آذار» الوثيقة الصلة بها ممارسة الضغط داخل الحكومة وعلى الحريري وتعطيل مشاريع الأخير وقدرته على تحقيق إنجازات حكومية، كي يلجأ إليها من أجل أن ترفع الضغوط عنه مقابل توقع مبادلتها بالمثل إذا كانت لها مطالب في الداخل اللبناني من نوع التخلي عن حلفائه المسيحيين في «قوى 14 آذار» ولتطويعه من أجل ضمان انسجامه مع مطالب لها في الداخل. ويعتقد المصدر نفسه أن التعاطي مع الحريري بهذه الطريقة يجعل من تحسن العلاقات بين البلدين عملية تتم «على القطعة» أي تحوّلها الى عملية خاضعة للمقايضات، وتخرجها من إطارها الأوسع القائم على علاقة من دولة الى دولة وبين المؤسسات كما اتفق عليه الجانبان، بل تعوق ذلك. ويرى المصدر أن من مصلحة دمشق أن يحجم حلفاؤها عن التعاطي مع الوضع الداخلي في شكل يستفز مسيحيي «قوى 14 آذار» بكيل الاتهامات لهم، فبعضهم وبينهم قياديون في «حزب الله»، يكثرون من تخوين خصومهم في الأكثرية، ومن اتباع لغة التعالي والتهديد من موقع المنتصر ويذكّر ب 7 أيار ويلوّح به ويحذر من تكرار المواقف الإعلامية المنتقدة لسلاح الحزب والمقاومة، في شكل يصعّد السجال، في وقت يعلم الجميع أن الاعتداد ببقاء السلاح ورفض المناقشة فيه ليست له شعبية في الوسط المسيحي بما فيه الوسط المتحالف مع «حزب الله» وسورية لأسباب سياسية أخرى ما يثير حفيظة زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لأن السلاح نقطة ضعف وسط الجمهور المسيحي. وبالتالي فإن حلفاء دمشق هم الذين يستدرجون خصومها الى الساحة بحيث يكسب هؤلاء شعبية على حساب الحلفاء فضلاً عن أنهم يظهرون بمظهر المعرقل لإطلاق عجلة العمل الحكومي وتحقيق الحريري للإنجازات فيما يسانده حلفاؤه المسيحيون ويبدون مرونة حيال توجهاته في العلاقة مع سورية. وينتهي المصدر البارز الى القول إن من مصلحة القيادة السورية التعاطي مع الحريري على أنه ضابط الإيقاع في علاقة سورية مع خصومها في لبنان كرئيس لحكومة تجمع كل الأطراف وطالما أخذ خيار تحسين العلاقات، بدل مطالبته بالابتعاد عنهم، وبدل الركون الى ضغوط الحلفاء عليه كوسيلة لاستقطابه. القلق من المخيمات وفي المقابل يرى المصدر، أن الفرصة السانحة لإحداث تقدم في العلاقات الثنائية تفترض تسريع تفعيل الاتفاقات المعقودة بين البلدين والتوافق على تعديل ما يجب تعديله منها والإفادة من حرص دمشق على إقامة علاقة وثيقة مع زعامة إسلامية معتدلة في لبنان، مقابل مخاوفها من تنامي الأصوليات الإسلامية في المنطقة واتخاذها بعض المخيمات الفلسطينية ملاذاً لها في وقت تنظر بعين القلق إزاء ذلك على الوضع الأمني في لبنان وبالتالي على أمنها هي. ويقول المصدر إياه إن هذا القلق السوري يتيح للجانب اللبناني التقاط الفرصة من أجل مقاربة أمنية مشتركة بين الجانبين لكيفية التعاطي مع الوضع الأمني من الزاوية التي تهم دمشق، (بما فيها السلاح الفلسطيني) من شأنها أن تعزز استعادة الثقة، بالتزامن مع المقاربة الإيجابية لمعالجة مسألة الاتفاقات بين البلدين والتي يكرر الحريري الإعلان عن حرصه على تفعيلها، ويستغني الجانب السوري عن العودة الى التدخل في التفاصيل الداخلية تاركاً لحلفائه أن يضعوا التسويات مع الحريري وحلفائه حولها، من دون الاعتماد على مرجعية دمشق.