يقترب متمرّدو جماعة «بوكو حرام» الذين يُلحقون بالجيش الهزيمة تلو الأخرى، من تحقيق هدفهم المتمثل بإقامة خلافة في شمال نيجيريا، لكن الوضع ليس شبيهاً بمثيله في العراق، والأمور لم تحسم بعد. فمنذ نيسان (أبريل) الماضي، استولت «بوكو حرام» على عدد كبير من القرى وسيطرت على مناطق بأكملها في شمال شرقي البلاد التي انسحب منها الجيش، كما يفيد سكان ومسؤولون أمنيون وخبراء. إلا أن رسم خريطة محددة للمناطق التي يسيطر عليها الإسلاميون، مسألة بالغة الصعوبة، بسبب انعدام المعلومات الموثوقة. ومنذ أيار (مايو) الماضي، فرضت حالة الطوارىء في الولايات الثلاث الأكثر تأثراً بالنزاع على حدود النيجر وتشاد والكاميرون، ويمارس الجيش رقابة على المعلومات، ويحصل تشويش على الاتصالات، وباتت عمليات التنقّل محفوفة بالأخطار. والحقيقة الوحيدة الأكيدة هي أن النزاع أسفر عن عواقب مدمّرة خصوصاً بالنسبة للمدنيين. فقد قتل أكثر من 10 آلاف شخص منذ بداية التمرّد في 2009، منهم 4 آلاف في هذا العام، وتهجّر 650 ألفاً آخرين. وأكدت الأممالمتحدة سيطرة المتمردين مطلع الشهر الجاري على مدينتي دامبوا وغوازا في ولاية بورونو. في المقابل، أكد الجيش استعادته دامبوا منذ ذلك الحين. وسقطت مدينة جديدة، الخميس الماضي، هي بوني بادي الواقعة في ولاية يوبي المجاورة. وإعتبر رايان كامينغز كبير محللي الشؤون الإفريقية في شركة «ريد 24» الأمنية في جنوب إفريقيا أن «الاستيلاء على أراضٍ والبقاء فيها، تطوّر مهم في طريقة عمل بوكو حرام»، لافتاً إلى أن الهجمات التي شنّتها الجماعة أخيراً تؤكد أنها «تحقق ببطء إنما بثقة هدفها الأول القاضي بإنشاء الخلافة على أساس الشريعة في شمال شرقي نيجيريا». وتشاطره هذا الرأي فيرجينيا كومولي الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، إذ قالت إن بوكو حرام «تسيطر» سيطرة تامة على شمال ولاية بورنو. وتؤكد هذه المعلومة شهادات عدد كبير من السكان. واعتبرت كومولي «أنهم يسعون إلى السيطرة على مزيد من الأراضي وتتوافر لهم فعلاً إمكانية تحقيق هدفهم». وفي شريط فيديو بُث في تموز (يوليو) الماضي، قدّم زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو دعمه إلى أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي أعلن إقامة «الخلافة» على أراضٍ يحتلها التنظيم في العراق وسورية، والذي تبنّى قبل أيام قتل الصحافي الأميركي جيمس فولي. ويقول جاكوب زن الباحث في مؤسسة «جيمس تاون» الأميركية، إن ثمة أوجه شبه بين «بوكو حرام» و»تنظيم الدولة الإسلامية» لاسيما على صعيد وحشية الأعمال المتطرّفة. وقتلت بوكو حرام آلاف المدنيين، بمن فيهم تلامذة مدارس، وخطفت أكثر من 200 تلميذة في نيسان وعاملتهن كسبايا. لكن وفيما تصف واشنطن «الدولة الإسلامية» بأنها جيّدة التسليح والتنظيم والتمويل، تضم صفوف «بوكو حرام» شباناً فقراء وأميين ولم يحصلوا على تدريب كافٍ. ويعتبر الخبراء أنها أقامت علاقات مع مجموعات متطرّفة مثل «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، لكن مستوى التعاون في ما بينها لا يزال غير معروف. وأشارت كومولي أن بوكو حرام «لم تبلغ المستوى» الذي بلغته الدولة الإسلامية، لكن ما قاله شيكاو يؤكد أن المجموعة «تبدي اهتماماً بما يحصل» في مناطق أخرى. وفيما عمدت بوكو حرام إلى تعزيز قوتها عبر التزوّد بأسلحة متطوّرة وتجنيد مقاتلين جدد، ظهرت للعيان نقاط الضعف التي يعاني منها الجيش النيجيري. وأكدّ مصدر أمني في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو، أن «جنودنا قادرون على قتال إرهابيي بوكو حرام، لكنهم في حاجة ماسة إلى السلاح». وأتاح الهجوم الذي شنّه الجيش في أيار 2013، إبعاد الإسلاميين إلى خارج التجمّعات السكنية وطردهم من معاقلهم. وأضاف المصدر «كان يمكن أن نسحق بوكو حرام لو تمكنّا من متابعة هجومنا». والسلاح غير الكافي للجنود سبب أساسي لهزائمهم الأخيرة. وقد تمرّدت عناصر الأسبوع الماضي في مايدوغوري، مطالبة بأسلحة متطورة. علماً أن نيجيريا، المنتج الأول للنفط وأقوى دولة على الصعيد الاقتصادي في إفريقيا، لا تنقصها الموارد المالية. فموازنة الدفاع تبلغ 6 بلايين دولار (4.5 بليون يورو) سنوياً. ويقول الخبراء إن الفساد وسوء التنظيم يفسران النقص المزمن في تجهيز الجيش بما يحتاج إليه من أسلحة وليس نقص الموارد.