على مدار العقود الستة الماضية، ظل للمؤسسة العسكرية في مصر دور سياسي ينمو ويخبو وفق متغيرات عدة بينها نظرة قادتها إلى هذا الدور، إذ سيطر العسكريون على الحياة السياسية بعد ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 بحكم قيادتهم لها واستمروا رقماً مهماً في تفاعلات السياسية الداخلية والخارجية لا يمكن تجاهله. وجاءت قرارات الرئيس محمد مرسي الأخيرة بإقالة رئيس المجلس العسكري وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان وقيادات الأسلحة الرئيسة في الجيش من العسكريين القدامى واستبدالهم بجيل جديد لتضع هذا الدور محل ترقب لاختبار مدى استمراره وحدوده. ويرى نائب رئيس «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» نبيل عبدالفتاح أن «من الصعوبة أن تنهي هذه القرارات، رغم شمولها قيادات وصفوفاً عدة داخل الهيكل التنظيمي للمؤسسة العسكرية، ميراث 60 سنة من شرعية وجود المؤسسة العسكرية في إطار الحياة السياسية». وعزا ذلك إلى أن شرعية النظام الجديد « لم تتبلور بعد من حيث هندسة النظام الاجتماعي والاقتصادي، كما أن البلاد لا تزال تعيش في إطار الثقافة السياسية التسلطية التي تحكم العديد من المؤسسات السياسية في البلاد، وبعض القادة الجدد هم أبناء البيئة التسلطية التي احتضنت هذا النمط من الثقافة السياسية». وحرص على تأكيد أن «الإقرار بأن المؤسسة العسكرية لها بعض الشرعية لا يعني القبول بهذا الدور. لابد من الاعتراف بدور المؤسسة العسكرية في بناء الحركة الوطنية، لكن لابد أيضاً من الدفع في اتجاه عودة هذه المؤسسة إلى حدود دورها الاحترافي». وأشار إلى أن «الضغوط التي تمارس من بعض الحركات الإسلامية السياسية التي تسعى إلى التمدد داخل الجيش» ستساعد على استمرار الدور السياسي للمؤسسة العسكرية، معتبراً أن هذه المحاولات تظهر في «ما وراء الخطاب السياسي لقيادات هذه الحركات». ولفت عبدالفتاح إلى أن «المؤسسة العسكرية لا تزال ممسكة بقوة اقتصادية كبيرة ستتيح لها ممارسة دور سياسي، وقطعاً ستخضع هذه القوة الاقتصادية إلى مساومات سياسية كي تقبل بضخ جزء من أموالها إلى القطاع المدني أو هيكلة الأجور داخلها، لكن على مؤسسة الرئاسة أن تدرك أن التصرف في أموال القوات المسلحة سيكون له حدود». وأضاف أن «فترة التضاغط ستهدأ بعض الشيء، لكن ستتفجر أزمات اقتصادية قد تدفع باتجاه استخدام جزء من هذه الأموال لتمويل بعض القرارات التي يمكن أن يصدرها الرئيس لمعالجة مشاكل اقتصادية، وعلى القادة العسكريين أن يقدموا المعلومات للرئيس حتى يعرف حدود تأثير هذه القرارات على مدى استقلال القوات المسلحة وتطورها». وفي حين يرى الناطق باسم الجمعية التأسيسية للدستور الخبير السياسي وحيد عبدالمجيد أن قرارات الرئيس «أنهت الدور السياسي للجيش»، إلا أنه يقر بأن للمؤسسة العسكرية دوراً اقتصادياً مستمراً من خلال المشاريع التي تمتلكها، وأن هذا الدور الاقتصادي سيكون له «تأثير سياسي». لكنه أكد أن النقاشات داخل الجمعية التأسيسية تسير في اتجاه إخضاع المشاريع الاقتصادية التي تمتلكها المؤسسة العسكرية إلى رقابة الجهات المدنية في الدستور الجديد، وإن كان وضع المؤسسة العسكرية ذاتها في الدستور لم يتبلور بعد. وأوضح أنه تم الاتفاق على أن موازنة الجيش ستناقش في إطار مجلس الدفاع الوطني الذي سيضم تمثيلاً متوازناً بين المدنيين والعسكريين، وستعرض في شكل إجمالي على البرلمان كرقم واحد. أما الخبير السياسي عمرو حمزاوي، فيرى أن تغيير قيادات الجيش «خطوة كبرى لإنهاء دوره السياسي، ولكن لا يمكن التعويل عليها للقول إن هذا الدور انتهى تماماً». وأوضح أن أهمية هذه القرارات أنها أقرت مبدأ إخضاع المؤسسة العسكرية للرئيس المدني المنتخب، «ما يمثل خطوة كبيرة للخروج من المكون العسكري الأمني لجمهورية يوليو». غير أنه يرى أن «الدور السياسي ما زال مستمراً من خلال دوائر التأثير والنفوذ التي يعد الوضع الاقتصادي للجيش أحد أهم عواملها».