فاجأ الرئيس المصري محمد مرسي الجميع أمس، وأبعد أكبر قيادتين عسكريتين في مصر، وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، إلى التقاعد لينهي بذلك ستة عقود من عسكرة الدولة المصرية ويقضي في الوقت نفسه على المخاوف من تحول المجلس العسكري إلى دولة فوق الدولة. لم يكتفِ الرئيس المصري بإبعاد قيادات الجيش التي اعتقد البعض في مصر أنها باقية إلى ما بعد صياغة الدستور، إنما ألغى أيضاً الإعلان الدستوري المكمِّل الذي كان يتيح للمجلس العسكري التفرد بسلطة التشريع وإقرار الموازنة العامة للدولة، ما يعني تقليص صلاحيات قيادات الجيش وإنهاء دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية لتعود إلى مهمتها الرئيسة وهي حماية حدود الوطن وحفظ أمنه القومي. وستسمح هذه القرارات لمصر بالاستمرار في مسيرة التحول الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات دون تخوف من تغول المؤسسة العسكرية أو انقلابها على شرعية الاستحقاقات الانتخابية. في الوقت نفسه، وضعت هذه القرارات كل السلطات في يد الرئيس فصار مسؤولا عن كل مفاصل الدولة وعلى مسار صياغة الدستور، إذا حال القضاء دون استمرار الجمعية التأسيسية الحالية في أداء مهمتها، أي أن «مرسي» أصبح مُطالَباً بالدفع في اتجاه بناء الدولة المصرية على أسس دستورية سليمة تضمن عدم استحواذه هو على كل الصلاحيات، ووضع دستور جديد يرسخ للمساواة بين المصريين في دولة قانون وحريات نادت بها قوى ثورة 25 يناير. ووفق هذه المعطيات وما سيترتب عليها من نتائج، لن يفيد كثيراً التوقف عند طريقة إخراج قرار إبعاد «المشير» و«الفريق» عن الجيش وما إذا كان خروجهما جاء مفاجئاً لهما أم أنهما كانا على علم وتواصل مع الرئيس، ففي الحالتين وصل المصريون إلى نتيجة واحدة، وهي أن المؤسسة العسكرية لم يعد لها دور في الحياة العامة وأن مقولة «على الجيش أن يعود إلى ثكناته»، التي طالما نادت بها الميادين، أضحت واقعاً. مصر الآن تطوي صفحة الدولة «العسكرية» وتستقبل «المدنية»، وهي مهمة سيتحملها الرئيس بما له من صلاحيات دستورية تتيح إنجاح مساري وضع الدستور وانتخاب برلمان جديد.