كما توقَّعت غالبية الخبراء والمحللين السياسيين، لم يُمثِّل تاريخ 30 حزيران (يونيو) الماضي «قطيعة» بين العسكر والسياسية على رغم تسليم المجلس العسكري السلطة لأول رئيس مدني منتخب في مصر. وبات للمجلس العسكري في «جمهورية ما بعد الثورة» دور سياسي بارز يمارسه علناً بخلاف ما كان الوضع قبل الثورة حين احتفظ الرئيس المخلوع حسني مبارك بخيوط الحكم كافة في يديه، لكن مسار الحكم بعد تنحي مبارك ضمن للجنرالات دوراً سياسياً تخطى حدود ما يتعلق بالأمور والتحالفات العسكرية. هذا الدور السياسي حصَّنه العسكر دستورياً بالنص في الإعلان الدستوري المكمل على امتلاكهم سلطة التشريع وحق تشكيل جميعة تأسيسية لكتابة الدستور في حال حُلّت الجمعية الحالية التي اختارها البرلمان المنحل، وهو أمر سيحسمه القضاء. وأصرَّ العسكر على ما اتفقوا عليه على رغم رفض الرئيس محمد مرسي هذا الأمر وتمسكه باستمرار الجمعية الحالية في عملها وجهره برفض الإعلان الدستوري المكمل. وفي هذا الإطار، علمت «الحياة» أن أعضاء المجلس العسكري في مصر أكدوا لمرسي ضرورة «عدم الإقدام على أي خطوة من شأنها التصادم مع الشرعية»، في إشارة إلى الإعلان الدستوري المكمل، أثناء استقبال الرئيس أعضاء المجلس العسكري في مقر رئاسة الجمهورية الأسبوع الماضي. وقال مصدر قريب من المجلس العسكري ل «الحياة» إن المؤسسة العسكرية «تراهن على حكم القضاء في ما يخص دعوى بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور»، ما يفتح الباب أمام المجلس لتعيين جمعية جديدة. وأضاف أن «الإخوان يخشون صدور حكم ببطلان الجمعية التأسيسية وتشكيل المجلس العسكري جمعية جديدة تخوفاً من وضع مادة في الدستور الجديد تسمح بإجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الاستفتاء على الدستور». وأشار إلى أن «تسريبات من الجماعة بأن من حق الرئيس إصدار إعلان دستوري يتم بموجبه إحياء العمل بدستور 1971، دفعت رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان إلى إيصال رسالة مباشرة إلى الرئيس شخصياً أثناء الاجتماع الذي عقد قبل أيام في القصر الجمهوري وفي حضور قادة الأفرع الرئيسة للقوات المسلحة مفادها ضرورة عدم الإقدام على أية خطوة من شأنها التصادم مع الشرعية». وأضاف أن «ردَّ الرئيس تلخص في أنه لا تصادم طالما يوجد تفاهم، بمعنى أنه إذا صدر حكم ببطلان الجمعية التأسيسية، يتم التفاهم على وضع الرئيس في الدستور الجديد». ولم يقف الأمر عند حد الترتيبات السياسية الكبرى، بل حرص المجلس العسكري على إبراز دوره في تشكيل الحكومة الجديدة وتأكيد أنه بات رقماً مهماً في المعادلة السياسية المصرية لا يمكن تجاوزه، وكان أن أقر رئيس الوزراء المكلف هشام قنديل بهذا الدور في أول مؤتمر صحافي بعد تكليفه، إذ ارتضى أن يكون مصير حقيبة الدفاع «في عهدة الرئيس والمجلس العسكري»، وهو تعهد «احترام خصوصية بعض الوزارات والمؤسسات»، في إشارة إلى الوزارات السيادية، خصوصاً الدفاع. وما أن أُعلن تكليف قنديل برئاسة الحكومة إلا وتوجه طنطاوي إلى القصر الجمهوري للقاء الرئيس «للبحث في مجمل المستجدات على المشهد السياسي المصري»، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية يمثل اعترافاً ضمنياً بالدور السياسي للجيش. وعُلم أن طنطاوي اجتمع بعد ذلك مع قنديل في مقر الرئاسة. وفور أن سرت تسريبات عن نية لتعيين وزير جديد للدفاع خلفاً لطنطاوي، أُعلن عن اجتماع للمجلس العسكري برئاسة طنطاوي «للبحث في مجمل الأوضاع في البلاد»، وتحدثت تقارير عن تداوله في ملف تشكيل الحكومة الجديدة. وسارعت الرئاسة إلى نفي ما تردد عن خلافات مع المجلس في شأن منصب وزير الدفاع. وقال نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» نبيل عبدالفتاح ل «الحياة» إن المجلس العسكري «له دور غير مباشر في تشكيل الحكومة، فحضوره ووزنه يمثل الطرف المقابل لجماعة الإخوان والسلفيين، وهذا أمر يفرض نفسه على الجماعة والرئيس مرسي، فلا تستطيع الجماعة ولا الرئيس أن يتجنبا أو يتجاهلا الحضور القوي للمؤسسة العسكرية، وبالتالي تتم مراعاتها على مستوى الاختيارات وتحديداً في ما يتصل بالوزارات السيادية». ورأى أن «الجماعة تحاول في اختياراتها أن تراعي هذا الاعتبار بطريقة مباشرة وغير مباشرة لكنها تحاول المناورة واكتساب أرضية جديدة، وهذا يظهر في اختيار بعض الأسماء الإخوانية أو المتعاطفة مع الإخوان ولكنها لا تبدو ظاهرة للعيان، خصوصاً التكنوقراط غير المعروفين والقادمين من الأقاليم، وهم غير معروفين بالنسبة إلى الأجهزة الأمنية». لكن عبدالفتاح أكد أن «القوات المسلحة لا تريد فرض هيمنتها على طريقة اختيار التشكيلة الوزارية كي يتحمل الرئيس أخطاء الوزارة الحالية التي لا يبدو أنها ستنجح في تخطي التحديات التي تواجهها البلاد». ورأى أن «الجيش يريد ترك الوزارة لمصيرها من حيث التشكيل بما لا يخالف مصالح ومكانة المؤسسة العسكرية». وأضاف: «إن كان العسكر لا يبدون رأياً حول بعض الشخصيات لكن هناك أساليب أخرى للتعبير قد تتخذ أشكالاً مباشرة أو غير مباشرة، فللمجلس العسكري أدواته المختلفة لإبداء الرأي حول بعض الشخصيات، ومنها مثلاً التقارير الأمنية حول المرشحين، فهذا طريق غير مباشر لرفض الترشيح يتحكم فيه المجلس العسكري». واعتبر أن «المجلس العسكري منخرط في شكل غير مباشر في تشكيل الحكومة، فهو لا يريد أن تُحسب هذه الحكومة عليه بأي شكل من الأشكال». ورأى أن اجتماعات المجلس العسكري «إشارة رمزية إلى حضوره في قلب الحياة السياسية بكل قوة وتذكير للطرف الآخر بحدود اللعبة». وفي وقت يرى الخبير السياسي عمرو الشوبكي أن المجلس العسكري دوره محدود في تشكيل الحكومة الجديدة، يؤمن بأن هذا الدور «يتعاظم في ما يخص وزارة الدفاع وإلى حد ما الوزارات السيادية الأخرى وهى الخارجية والداخلية والعدل». وقال: «أتصور أن المجلس العسكري عينه على الجيش وضمان الحفاظ على مصالحه، وبالتالي فإن وزارة الدفاع خط أحمر بالنسبة إليه»، مشيراً إلى أنه «حاضر بشكل أو بآخر في بقية الوزارات السيادية وربما له رأي في وزارات أخرى».