يفترش مئات السلفيين أرض مسجد عمرو بن العاص في منطقة الفسطاط في القاهرة، وهو أول مسجد بُني في مصر، ولا يكادون يبرحون المسجد طوال الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان والتي يعتكفون خلالها. وزادت الحرية التي نالها الإسلاميون بعد الثورة مع صعودهم السياسي وانخراطهم في مؤسسات الحكم. ولم يعد جهاز الأمن مسيطراً على تلك المعتكفات التي بات مشايخها يتمتعون بحرية في الحديث عن الأمور السياسية داخل المساجد. وقبل الثورة كانت هذه المعتكفات مقسمة إلى مساجد خاصة بالسلفيين وأخرى بجماعة «الإخوان المسلمين» وثالثة تابعة لوزارة الأوقاف، وكان الانضمام إليها يقتضي إبلاغ الجهات الأمنية بأعداد المعتكفين في كل مسجد وتزويدها بصورة من هوية كل معتكف. وغالباً ما كان معتكفو مساجد الأوقاف التابعة للدولة من المتدينين غير المنتمين إلى أي تيارات سياسية أو إسلامية. ومعروف أن «الإخوان» والسلفيين كانوا حريصين على عدم إتمام بناء مساجدهم كي لا تتسلمها وزارة الأوقاف. وفي الاشهر الأخيرة من حكم مبارك وضعت وزارة الأوقاف خطة لضم كل هذه المساجد تباعاً. لكن الحال تبدلت بعد الثورة، فبدل أن تسعى وزارة الأوقاف إلى ضم مساجد السلفيين و «الإخوان» إلى إشرافها، باتت الجماعتان تتنافسان على السيطرة على مساجد الدولة. وفي مسجد عمرو بن العاص التابع للدولة تظهر سيطرة واضحة للسلفيين، إذ يقوم دعاة معروفون بانتمائهم إلى التيار السلفي بتنظيم الاعتكاف في هذا المسجد الكبير. وهم في سبيل ذلك لا يجدون مشقة لتدبير نفقات إعاشة هذا العدد الكبير من المعتكفين. إذ أن نفقات المعتكف بسيطة وطعام الإفطار والسحور ليس بالضرورة وفيراً وجيد الطهي، كما في معتكفات «الإخوان» التي يتميز القائمون عليها بالسخاء حتى أنهم يرفضون جمع تبرعات من المعتكفين للإنفاق اليومي عكس السلفيين الذين يضعون صندوقاً يتبرع فيه من يريد بما يستطيع لتدبير نفقات المعتكف. ورغم ذلك لوحظ أن معتكفات السلفيين تستقطب أضعاف الأعداد التي تستقطبها معتكفات «الإخوان»، علماً بأن السلفيين يقضون غالبية ساعات الليل والنهار في الصلاة والتعبد عكس «الإخوان» الذين يركزون على تلقين أهل المعتكف دروساً في العلم لا تخلو من السياسة تسرب أفكار الجماعة في غالبية الأحيان. وفي الباحة الكبيرة لمسجد عمرو بن العاص، حرص عشرات المعتكفين على تدوين جدول المحاضرات الذي علق في أرجاء عدة من الباحة ويتضمن مواعيد خطب شيوخ السلفية الكبار من أمثال سعيد عبدالعظيم ومحمد حسان ومحمد إسماعيل المقدم وآخرين من أقطاب جماعة «الدعوة السلفية» الذين كانت مغادرتهم حدود مقر الجماعة في الإسكندرية قبل الثورة تقتضي الحصول على تصريح أمني. وفي غالبية مساجد القاهرة التي فتحت أبوابها للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، خصوصاً المساجد الكبرى، مثل مسجد النور في حي العباسية والفتح في منطقة رمسيس والعزيز بالله في حي حدائق القبة، لوحظ أن السلفيين من طليقي اللحى الأكثر عدداً بين المعتكفين، كما أن شيوخهم الأكثر شهرة في هذه المعتكفات هم الذين يقومون بتنظيم الحياة داخلها وفي غالبية المساجد والزوايا الصغيرة. ويساعد السلفيين في الاقتراب من أن تكون لهم اليد الطولى في السيطرة على المساجد والزوايا التابعة لوزارة الأوقاف، تولي أحد رموزهم طلعت عفيفي وزارة الأوقاف، وهو كان نائب رئيس «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» التي تعتبر «هيئة علماء» التيار السلفي.