في العشر الأواخر من شهر رمضان يحرص كثير من مسلمي مصر على «الاعتكاف»، إذ ينعزل المعتكفون عن «الدنيا» متفرغين للعبادة في المساجد التي لا يبرحها بعضهم إلا بعد صلاة عيد الفطر المبارك، إلا من لا تسمح له ظروف عمله، فيضطر إلى الذهاب إليه والعودة إلى المسجد «مجددا النية للاعتكاف». الحياة داخل المعتكفات في مصر بسيطة. وكل فريق له مساجده المعروفة التي يقصدها أنصاره، فمثلا السلفيون لهم معتكفاتهم وكذلك جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصار «الجماعة الإسلامية» و»التبليغ والدعوة». كل هذه الفرق كانت تواجه تضييقات أمنية أثناء وقبل الاعتكاف قد تصل في بعض الأحيان إلى توقيف بعض القائمين على تنظيم أمور المعتكف، لكن بعد ثورة 25 يناير تبدل الحال، وباتت المساجد مليئة بالمعتكفين من كل توجه من دون أي تخوفات أمنية. ففي الماضي كانت مباحث أمن الدولة تحتم على القائمين على أمر المعتكف جمع هويات المعتكفين وتسليمها لمكتب مباحث أمن الدولة التابع له المسجد، كذلك كان الأمن يفرض رقابة مشددة على هذه المعتكفات تصل إلى حد إرسال بعض مخبريه لرصد ما يدور داخل كل معتكف ومضمون ما يُلقى من خطب فيه، كل هذه الأمور كانت معروفة من قبل المعتكفين وربما سببت في بعض الأوقات انصراف الناس عن المعتكفات لئلا تطولهم أيدي الأجهزة الأمنية الباطشة. غالبية المعتكفات في ظل هذه القيود الأمنية لم تكن تضم أكثر من العشرات أو المئات في أفضل الظروف، لكن بعد الثورة طرأت تغييرات جذرية على عيشة المعتكفات أبرزها زيادة عدد المعتكفين الذين وصلوا إلى مئات في المساجد الصغرى وآلاف في المساجد الكبرى. هذا العام لا يحتاج المعتكف إلى تسليم هويته للجهات الأمنية فقط وزارة الأوقاف تطلع على الهويات من أجل تحديد أعداد المعتكفين في مساجدها فضلا عن توقيع المعتكف على إقرار باحترام حرمة المسجد وتقاليد المعتكف. لم يكن يسمح للأجانب بالاعتكاف في المساجد إلا بعد موافقات أمنية في ما مضى لكن بعد الثورة ينتشر الآسيويون في المساجد الكبرى التي خصصتها وزارة الأوقاف للاعتكاف. زيادة أعداد المعتكفين رافقها زيادة في حرية الأئمة والدعاة، فلم يعد كبار الدعاة في حاجة إلى موافقات أمنية قبل إلقاء الدروس على المعتكفين ولا تحديد الموضوعات التي يسمح لهم بالحديث فيه. بات الأمر أكثر حرية، فيتنقل بحرية من كانوا في السابق مقيدون الحركة، يلقون الدروس على المعتكفين من دون أي حسابات أمنية، غالبيتهم يتذكر فساد النظام السابق وتضييقه على الإسلاميين وبعضهم لا يخلو حديثه من السياسة فينتقدون رافضي تطبيق الشريعة ويؤكدون ضرورة حكم الإسلام ويدعون إلى تولية من يحكم بشرع الله من دون أي مخاوف من تحرشات أمنية لم تكن تسمح بطرح هذا الكلام أصلا في ما مضى، لكنها الثورة التي غيرت أمورا كثيرة بينها معتكفات رمضان.