في وقت يبدو جناحا تيار الإسلام السياسي في مصر («الإخوان المسلمين» والسلفيون) على وئام في شؤون السياسة والحكم وتقسيم السلطة، تدور بينهما في الكواليس رحا «معركة ضروس» للسيطرة على المساجد التي تعد منطلقاً لنشر أفكار كل تيار وكسب مزيد من الشعبية والتأييد. وكانت جماعة «الإخوان» فازت بالأكثرية في انتخابات غرفتي البرلمان (مجلسي الشعب والشورى)، واحتفظ حزب «النور» السلفي بموقع الوصيف في المجلسين. ومعروف أن المساجد كانت المتنفس الوحيد للتيار الإسلامي في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك رغم التضييق عليها ومراقبتها أمنياً في شكل صارم قبل اندلاع الثورة، حتى إن النظام نفَّذ خطة محكمة لضمِّ كل مساجد البلاد إلى وزارة الأوقاف لتكون تحت إشراف حكومي حتى في تحديد مواضيع الخطب. وبالفعل ضمت وزارة الأوقاف عشرات الآلاف من المساجد إلى ولايتها، وباتت تشرف على أكثر من 100 ألف مسجد وزاوية في أرجاء الجمهورية، لكن ذلك لم يمنع «الإخوان» والسلفيين من الاحتفاظ بسيطرتهم على عدد محدود من المساجد من حيث الإنفاق والخطباء. وظلت هذه المساجد منبراً لتجنيد أتباع جدد للتيارين، خصوصاً في أيام الاعتكاف في شهر رمضان من كل عام. لكن المساجد تحررت بعد الثورة من قبضة الأمن، حتى إن عدداً كبيراً منها بات يفتح أبوابه للوعظ بعد أداء الصلوات، وهو ما كان ممنوعاً أيام مبارك بتعليمات من جهاز مباحث أمن الدولة الذي فرض سطوته كاملة على المساجد لتجفيف منابع التيار الإسلامي. وبعد صعود التيار الإسلامي انقلبت الآية، فبات «الإخوان» والسلفيون يسعون في دأب إلى السيطرة على مساجد الأوقاف من خلال تنظيم حلقات للدعوة فيها يشرف عليها أتباع كل جماعة في مساجد وزوايا القرى تحديداً، حيث يزيد الوازع الديني عند أهل الريف، في محاولة لكسب تعاطف هؤلاء وضمان ضمهم إلى الكتلة المتعاطفة مع كل تيار. ولكل من «الإخوان» والسلفيين مساجدهم المعروفة في كل قرية أو مدينة في مصر، لكن لا توجد إحصاءات دقيقة بعدد هذه المساجد التي يحرص ملاكها على عدم إتمام عملية بنائها كي لا تُضم إلى وزارة الأوقاف، ويعمدون إلى التغاضي عن بعض الاشتراطات التي يتطلبها ضمّ المسجد إلى الأوقاف حتى يظل تحت سيطرتهم ربما لسنوات. وبعد ان كان أنصار «الإخوان» والسلفيين ممنوعين من الخطابة في مساجد الأوقاف إلا فيما ندر وتحت رقابة الأمن، باتوا يتمتعون بحرية أكبر في هذا الأمر، حتى ان رموزهم أصبحت تتبارى في إلقاء خطبة الجمعة في المساجد الكبرى في القاهرة وعواصم المحافظات، وكذلك الحال في المساجد والزوايا الصغيرة. ورغم صعود «الإخوان» والسلفيين سياسياً وفتح كل المنابر أمامهم لمخاطبة الجماهير، إلا أنهما لم يتخليا عن المساجد التي تعتبر مجالهما الاستراتيجي لضم أتباع جدد. وفي هذا الصدد لا يتوانى الطرفان عن الدخول في صراعات من أجل السيطرة على أكبر عدد ممكن من المساجد. ولوحظ انتشار ظاهرة الإعلان عن خطبة الجمعة قبلها بأيام والترويج لخطبائها، عبر إعلانات ولافتات كبيرة أمام المسجد الذي يؤم المصلين فيه أحد رموز «الإخوان» أو السلفيين، كما يبعث كل تيار بقيادات فيه للخطابة في مساجد المدن والقرى النائية. وتتولى القواعد في هذه القرى الدعاية للخطبة التي تستقطب آلافاً، وتقتضي جهداً كبيراً لتنظيمها، وقبل أن ينصرف الحشد يكون التيار المنافس يعلن زيارة أحد رموزه ليلتقي الجمهور الحائر نفسه بين كليهما.