لم تكن موجة الانتقادات التي أثارها اعتبارُ أحد أبرز رموز السلفيين تمريرَ التعديلات الدستورية التي أجرت مصر استفتاءً عليها قبل أسبوعين «غزوةً انتصر فيها الدين»، سوى مؤشر بسيط إلى تململ متزايد من صعود التيار السلفي، الذي امتدت ممارسات أتباعه إلى التضييق على الحريات الفردية. ونشرت وسائل الإعلام المحلية قبل يومين بياناً نُشر على الإنترنت، عن نية سلفيين إلقاء مواد حارقة على «المتبرجات» أو خطفهن، انتقاماً لزوجة كاهن قبطي كانت الدولة سلّمتها للكنيسة بعدما أُشيع أنها اعتنقت الإسلام. واعتبرت جماعةٌ سلفية هذا الكلام «محضَ افتراءات وأكاذيبَ لا أساس لها»، وأكدت أنها «على عهدها بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنها لم ولن تتعرض لغير المسلمين أو العصاة من المسلمين في حياتهم أو في طرقاتهم بأي نوع من الأذى». غير أن إحدى الطالبات في جامعة القاهرة شَكَتْ من تهديدات يمارسها طلاب ملتحون على الفتيات، وقالت ل «الحياة»: «هددني بعض الطلاب الذين ينتمون إلى التيار السلفي بإقامة الحد إذا وقفت في قاعات الدرس لعرض الأبحاث أمام الطلاب». وأضافت: «اعتبر هؤلاء أن أي طالبة تكشف شعرها أو ترتدي البنطلون وتتحدث إلى زملائها من الشباب، متبرجةٌ وتجب معاقبتها». وقبل إجراء الاستفتاء على تعديل مواد في الدستور، اكتشف المصريون أن للتيار السلفي قدرة كبيرة على التأثير والحشد، إذ استند أنصار هذا التيار في تحركاتهم على أن رفض التعديلات سيساهم في إلغاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع. على أن المؤشر الأخطر كان في إطلاق بعض شيوخ السلفيين فتاوى تكفير، ولجوء بعض أتباع هذا التيار إلى تغيير ما يرونه منكراً بالعنف، ففي محافظة قنا (صعيد مصر)، أضرم سلفيون النار في منزل قبطي وقطعوا أذنه، عقاباً له على تأجيره شقة لفتاتين أقامتا فيها بمفردهما. وفي محافظة المنوفية (دلتا النيل)، أحرق آخرون منزل امرأة وطردوها منه، عقاباً لها على ظنهم أنها تمتهن الدعارة. وهاجم سلفيون مقهى في إحدى قرى الفيوم وأضرموا النار فيه، قبل أن تقع اشتباكات استُخدمت فيها الأسلحة النارية مع أصحاب المقهى، ما أدى إلى سقوط قتيل وخمسة جرحى. وتوقع الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية» الدكتور عمرو هاشم ربيع «صعودَ نجم التيار السلفي في الفترة المقبلة، وحصولَه على نسب كبيرة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية» المقرَّرة في أيلول (سبتمبر) المقبل. لكنه أكد أن «المنافسة بين السلفيين والإخوان المسلمين تصب في مصلحة الإخوان، لأنهم الأكثر تنظيماً وعدداً، كما أن أفكارهم أكثر انفتاحاً على المجتمع». ويضم التيار السلفي خمس جماعات، بعضها منظَّمٌ والآخرُ يجمع أعضاءه إطارٌ منهجي فقط، هي: «أنصار السنة المحمدية» و «الجمعية الشرعية» و «الدعوة السلفية» و «السلفية المدخلية» و «السلفية الحركية»، بخلاف السلفيين المستقلين. وتُعتبر الأولى والثانية الأكبرَ والأكثرَ انتشاراً، كما يحظى شيوخ السلفيين بشعبية طاغية منذ تزايد بث القنوات الفضائية الدينية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويرى ربيع أن «السلفيين ألغامٌ زرعها النظام السابق ونشرها في شتى ربوع مصر، بهدف تغييب المصريين عن التفكير في الواقع السياسي المتردي، واتخاذهم كمخلب قط في مواجهة التيار الإسلامي السياسي الذي يمثله الإخوان». وتَعتبر أستاذة العقيدة في «مجمع البحوث الإسلامية»، وهو أعلى هيئة دينية في الأزهر، الدكتورة آمنة نصير، أن «السلفيين قنبلة انفجرت في وجه المصريين عقب اندلاع الثورة»، لكنها شددت على «ضرورة أن يستفيق علماء الأزهر والمثقفون من غفوتهم، لتدارُك الأمور ومجابهة هذه الأفكار الغريبة على المجتمع المصري الذي يتسم بالوسطية والتسامح».