مع انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر، ليس أمام المصريين إلا أن يسلكوا طريقاً من طريقين: فإما المصالحة الوطنية الداخلية وإما تصفية الحسابات والانتقام. ونتيجة الطريق الأول معروفة للجميع عبر نموذج الزعيم الأسطوري لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا ومساعده الأسقف ديزموند توتو رئيس لجنة الحقيقة والمصالحة. ولعل علامة الاستفهام الأولى التي تطرح نفسها: هل كانت خطابات الرئيس مرسي وزياراته تحمل لغة تصالحية؟ الحقيقة التي لا مراء فيها أن هناك الآن ثلاثة اتجاهات تتشارع إن لم نقل تتنازع في ما بينها: الشارع الثوري والذي ينطوي على جماعات فكرية وذهنية مختلفة المشارب، وتيار الإخوان المسلمين، والاتجاه الثالث الذي يتمثل في المجلس العسكري، صاحب اليد القوية في الحياة السياسية المصرية. فهل يمكن بادئ ذي بدء أن يقوم الرئيس المنتخب بإرضاء كل هذه الأطراف دفعة واحدة؟ حكماً، المصالحة الوطنية ليست شأناً يسيراً يستطيع الرئيس مرسي انجازه بقرار فوقي سيادي، بل هو هدف سام في حاجة إلى عمل وجهد لتلافي الفخاخ الكامنة في زوايا الجسد المصري المريض في العقود الأخيرة. والحديث عن المصالحة الداخلية في حاجة ماسة إلى فتح ملفات عاجلة سريعة، في مقدمها ملفان: الأول خاص بالمعتقلين والثاني خاص بمطالب المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بشأن التعذيب والتمييز وانتهاك كرامة المصريين. أما الملف الأول فيمثل جرحاً غائراً في نفوس كثير من الأسر المصرية التي لديها أبناء في المعتقلات سواء من المدنيين أو من عدد من ضباط الشرطة أو الجيش، وهؤلاء تم القبض عليهم طوال الأشهر الثمانية عشر الماضية، أي منذ انطلاق الثورة، وتتراوح أعدادهم بين 12 و15 ألف معتقل وفق بعض الإحصاءات الحقوقية. هؤلاء يرون أن ذنبهم الوحيد أنهم شاركوا في ثورة أحبوها ودفعوا ثمناً غالياً من اجل الوقوف بجانبها إلى أن تنتصر. وعلى رغم إفراج الرئيس مرسي عن بعض مئات منهم في أول يوم من شهر رمضان، فالآلاف الباقية في المعتقلات تمثل حجر عثرة في سبيل إتمام المصالحة التي تنشدها مصر. أما الملف الثاني فيمثل بالفعل اختباراً حقيقياً للوعود التي أطلقها الرئيس حول كرامة المصريين، لا سيما انه قادم من خلفية جماعة الإخوان المسلمين، والتي لاقى أعضاؤها قمعاً وقهراً وقتلاً وتعذيباً طوال عقود، والآن جاءت اليهم الفرصة لدخول التاريخ حال رفع ذلك الظلم عن المصريين جميعاً. تتحدث هبة مواريف مديرة مكتب منظمة «هيومان رايتس ووتش» في القاهرة عن أن التوقعات عن أوضاع حقوق الإنسان في ظل عهد الرئيس ذي التوجهات الإسلامية «غير واضحة»، وذلك بسبب المناخ السياسي العام، حيث لا توجد صلاحيات محددة للرئيس الجديد، فضلاً عن الصلاحيات الجديدة للمجلس العسكري. على أن الشيء الايجابي الذي تشير إليه مورايف هو أن جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، اتخذ أعضاؤها في البرلمان المنحل موقفاً ايجابياً من مبدأ عدم التمييز، وذلك عندما طالبوا بقانون موحد لدور العبادة، متوقعةً إنهاء ملف التعذيب نظراً لمعاناة أعضاء الجماعة منه في عهد النظام السابق. ما هي القرارات المنتظرة من الرئيس في هذا السياق من اجل تعبيد طريق المصالحة؟ لا بد من ان يقوم في المئة يوم الأولى من حكمه بإصدار عدد من تلك القرارات، في مقدمها «إيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإصدار قانون حق التظاهر السلمي، والتحقيق في كل حالات العنف الطائفي بعد الثورة، وإصدار قانون موحد لدور العبادة. وماذا أيضاً عن حديث المصالحة والمئة يوم الأولى؟ لا شك في أن المئة يوم الأولى من رئاسة الدكتور مرسي ستكون ذات مؤشر مهم للغاية، وعلى رغم تشكيك البعض في أن حزب الحرية والعدالة سيقوم بالدور الأكبر في تهيئة الأجواء المصرية لنجاح حكم الإخوان المسلمين، فإن العبء الأكبر في واقع الحال يقع على عاتق الرئيس. فحالة الاقتصاد المصري مضطربة، وقطاع السياحة الذي تعمل فيه ملايين عدة يشكو من رحيل السياح وهجرتهم من مصر، وهذا أمر كفيل بمفرده بإشعال الداخل. هناك في المئة يوم تحديات تعترض المصالحة الوطنية، في مقدمها الاتجاهات الإسلامية المختلفة التي طفت على سطح الأحداث. فالتيار السلفي يغالي متشدداً، في نظر البعض، في طلباته، في حين أن الأزهر الشريف يبقى حاملاً رؤية الإسلام الوسطي، وبين الاثنين يبقى الرئيس مطالباً بالصلح بين الاثنين. وهناك ملف قائم بذاته، هو ملف الأقباط ومكانهم في الدولة المصرية، والجمهورية الجديدة بعد الثورة، وهو ملف مملوء بالألغام. وعلى رغم تطمينات الرئيس مرسي للأقباط، فالمخاوف لا تزال قائمة. هل من خلاصة؟ التحدي صعب والطريق طويل، لكن المصالحة تبقى وحدها، وعلى صعوبتها، هي الحل للخروج من عنق الزجاجة المصرية الذي طال. * كاتب مصري