يترقب أقباط مصر بقلق خطوات الرئيس المنتخب محمد مرسي، بعدما أثار وصوله صدمة وتخوف غالبيتهم التي احتشدت خلف منافسه في الانتخابات المرشح المحسوب على المجلس العسكري الحاكم الفريق أحمد شفيق، ليحاولوا سدى منع وصول مرشح «الإخوان المسلمين» إلى قصر الرئاسة للمرة الأولى. وعلى رغم مشاركة أقباط رفعوا صلباناً في الاحتفالات التي أعقبت إعلان فوز مرسي بالرئاسة، إلا أن علامات القلق الذي يعتري الأقباط لا يمكن أن تخطئها عين، حتى عين مرسي نفسه الذي التقى خلال اليومين الماضيين وفوداً كنسية وسعى إلى طمأنتها إلى أنه يرى المسلمين والأقباط مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. ولقيت رسالة مرسي صدى إيجابياً من الدوائر الرسمية في الكنيسة القبطية التي قال أسقف الشباب فيها الأنبا موسى: «سعدنا بلقائنا الرئيس، وتعرفنا على قلب مملوء بالمحبة والطيبة والتواضع وامتلأ قلبنا بالطمأنينة بمشاعره الجياشة نحو جميع المصريين بمن فيهم الأقباط». وكان الرئيس المنتخب التقى وفداً كنسياً ضم القائم بأعمال بطريرك الكنيسة القبطية الأنبا باخوميوس والأنبا موسى والانبا بيشوي، وهما بين ابرز المرشحين لمنصب بطريرك الأقباط، وأساقفة آخرين. وأكد لهم أن «المصريين جميعاً أصحاب أسهم متساوية في هذا الوطن، ولا يقبل أن يمن أحد على أي قبطي مصري». وتعهد أن يبقي «خطاً مفتوحاً في الليل والنهار بيني وبين الأقباط. وأضاف: «يعز عليّ أن يكلمني أحد أو يوصيني على أقباط مصر». وقال الأنبا باخوميوس: «إننا متوسمون في الرئيس الجديد حب الشعب منذ اليوم الأول، ونرجو أن يكون توليه منصب الرئاسة رسالة حب وسلام لكل الشعب المصري»، مؤكداً أن «مصر تحتاج الآن إلى طمأنينة وسلام». وأضاف مخاطباً مرسي: «وجودك في هذا المنصب يريح كل المصريين». واستقبل الرئيس المنتخب أمس مجموعة من القيادات الكنسية من مختلف الطوائف المسيحية. وشكر رئيس الطائفة الإنجيلية القس صفوت البياضي مرسي على خطابه الذي ألقاه بعد نجاحه «وما جاء فيه من كلمات تلقائية وصلت إلى قلوب المصريين»، مؤكداً أن «هذا الخطاب وما جاء فيه عن شكل الدولة القادمة كدولة ديموقراطية دستورية كان رسالة طمأنينة إلى جميع المصريين ومعبراً عن مرحلة جديدة للتواصل بين المسلمين والأقباط». وصرح القائم بأعمال الناطق باسم الرئاسة ياسر علي بأن مرسي أكد للوفود الكنسية «حرصه الدائم على مواصلة هذه اللقاءات وعلى التواصل المستمر». ونقل عن مطران الطائفة السريانية الكاثوليكية الأب يوسف حنوش قوله: «سنصلي جميعاً من أجل الدعوة بالتوفيق للرئيس الجديد، ونطالبه بالاهتمام بملف الوحدة الوطنية». وأشار علي إلى أن «الرئيس أكد خلال اللقاء أن الوحدة الوطنية تمثل هدفاً رئيسياً وأولوية في برنامجه، وانه حين رفع شعار قوتنا في وحدتنا خلال حملته الانتخابية كان يعي تماماً هذا الشعار وانه لا بد من عودة النسيج الواحد للشعب المصري، وأن كل ما كان من أحداث سابقة في العهد الماضي كان بهدف تفريق المصريين مسلمين وأقباطاً»، موضحاً أن «الرئيس أكد أن لا عودة لمثل هذه الأحداث مرة أخرى وسنبقى نسيجاً واحداً وقوتنا في وحدتنا». لكن انعكاس انطباعات القيادات الكنسية على جموع المسيحيين في مصر سيتطلب من الرئيس المنتخب ما هو أبعد من الكلمات والوعود الطيبة، وهو ما يبدو أن مرسي يدركه، إذ أعلن سعيه إلى تعيين قبطي نائباً للرئيس. غير أن بعضهم لا يعنيه المنصب بقدر رغبته في سياسات ترسخ المواطنة. ويلفت مجدي صابر عضو «ائتلاف شباب ماسبيرو» القبطي الذي تأسس بعد الثورة، إلى أن «الأقباط لديهم تخوف كبير ليس بسبب مرسي وإنما من سياسات حزبه وجماعته»، لكنه أضاف أن «بعض الأقباط الذين انخرطوا في ائتلافات ثورية صوتوا لمصلحة مرسي املاً في الحصول على حقوق شهدائهم الذين سقطوا مع غيرهم من المسلمين في الثورة أو في اعتداء جنود الجيش على متظاهرين أقباط أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وقال صابر ل «الحياة»: «لا يعنينا كثيراً أن يشغل قبطي منصب نائب الرئيس. نريد أن يعتمد الرئيس الجديد في اختياراته على الكفاءات من دون انتماءات دينية». وأضاف: «نريد أفعالاً وليس أقوالاً، وننتظر منه إنهاء ملفات عالقة منذ فترة في مقدمها القانون الموحد لدور العبادة، وإعطاء طمأنة بعدم التفرقة سواء في شغل الوظائف أو في مناهج التعليم والثقافة». وطالبت حركة «أقباط بلا قيود» الرئيس المنتخب ب «ألا يضم إلى معاونيه من هو محسوب بالخطأ على الأقباط»، في إشارة إلى شخصيات قبطية قريبة من «الإخوان». وقالت في بيان إن «فترة المئة يوم التي وعد بتنفيذ أهم عناصر برنامجه الانتخابي خلالها هي نفسها المُهلة التي نمنحها له ليفي بوعوده ليرُد الحقوق إلى أصحابها، فإن أحسن التصرُف وقفنا خلفه ودعمناه، وإن أخفق وتباطأ مُتعمداً وقفنا أمامه بكل ما أوتينا من قوة لنُعارضه بكل السُبل التي كفلها لنا القانون والدستور». ودعت إلى «البدء الفوري في دراسة الملف القبطي وما يضم من مشاكل عالقة منذ عقودٍ خلت، وإصدار كل القوانين التي استحالت بسببها حياة الأقباط في بلدهم إلى جحيم لا يُطاق». ويرى الناشط الحقوقي القبطي نجيب جبرائيل أن تعاون الأقباط مع الرئيس المنتخب «يتوقف على رؤيتهم لتحقق مطالب المواطنة»، مشيراً إلى أن «أهم مطالب الأقباط هو الإسراع في إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، وإصدار قانون يجرم التمييز على أساس الدين في الوظائف العامة، والقضاء على كل أشكال التمييز وتحقيق المواطنة الكاملة». ودعا إلى «تمثيل متوازن للأقباط سياسياً يتناسب مع عددهم، وتعيين نائب قبطي لرئيس الجمهورية كما وعد وتمثيل الأقباط في الوزارة الجديدة تمثيلاً مناسباً، وفتح تحقيقات سريعة وعادلة في كل القضايا التي تعرض لها الأقباط من اضطهاد وظلم، والنص صراحة في الدستور على أن يترك الأقباط في أحوالهم الشخصية لديانتهم وتقاليدهم وأعرافهم في كل ما يتعلق بشؤونهم الدينية، ومراعاة احترام حقوق الإنسان والتزام المعاهدات الدولية واحترام حرية العقيدة وكفالة ممارستها».