لا شيء مبهج في الحياة مثل لقاء الأصدقاء القدامى. وهذا هو الحال بالنسبة للمرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية ميت رومني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو. كان الاثنان في أواخر العشرينيات من عمرهما عندما كان نجمهما يصعد في شركة استشارات إدارية رائدة في الولاياتالمتحدة وهي شركة (بوسطن كونسالتنج جروب) حيث تلاقى طريق الرجلين لأول مرة في منتصف السبعينيات. في هذه الأيام لم تكن شركة (بين كابيتال) سوى حلم بعيد في عين رومني، في حين كان نتينياهو قد سافر إلى أمريكا لصقل مهاراته في مجال إدارة الأعمال بعد أن كان قد قاتل في صفوف القوات الخاصة الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر بين كل من مصر وسوريا من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى. ولكنهما ظلا على اتصال منذ ذلك الحين. والأن أصبح أحدهما رئيسا لوزراء إسرائيل في حين يمكن أن يصبح الآخر رئيسا للولايات المتحدة في انتخابات الرئاسة التي ستجري في نوفمبر المقبل. بشكل أو بآخر، هناك الكثير من الموضوعات التي يمكن للرجلين أن يتكلما عنها عندما يلتقيان. ولكن هذا مجرد سبب واحد للزيارة التي قام بها ميت رومني إلى إسرائيل. السبب الآخر لهذه الزيارة هي حاجة رومني لتأكيد معرفته وخبرته في الشئون الخارجية باعتبار أن هذه النقطة واحدة من نقاط ضعفه في مواجهة منافسه الديمقراطي الرئيس باراك أوباما. وقبل كل ذلك وبعده فإن هذه الزيارة تأتي استمراراً لما أصبح تقليدا أمريكيا أو التزاما على مرشح الرئاسة الأمريكية بأن يزور إسرائيل قبل الانتخابات لكي يؤكد تضامنه مع الدولة اليهودية. والمفارقة أنه بمجرد أن يفوز المرشح الأمريكي بانتخابات الرئاسة حتى يصبح أكثر ترددا في القيام بزيارات لإسرائيل أقرب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط. فالرئيس الأسبق رونالد ريجان لم يزر إسرائيل أبدا خلال وجوده في الرئاسة وكذلك خليفته جورج بوش الأب. أما جورج بوش الابن الذي يعد أحد أقوى رؤساء أمريكا تأييداً لإسرائيل فإنه انتظر حتى العام الأخير من فترته الرئاسية الثانية لكي يزور إسرائيل. كما أن الرئيس الحالي أوباما لم يزرها منذ توليه الرئاسة. ولكن عندما تكون مرشحا في انتخابات الرئاسة الأمريكية فالأمر يكون مختلفا. فقد زار رومني إسرائيل بالفعل مرتين. وزارت سارة بالين إسرائيل عام 2011 عندما كانت التوقعات تشير إلى خوضها انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة. وفي مثل هذا التوقيت تقريبا من عام 2008 زار المرشح الديمقراطي في ذلك الوقت باراك أوباما تل أبيب ليؤكد من هناك «التزامه الذي لا يقبل الخطأ بأمن إسرائيل». بالطبع هذه العبارة لا تعني أبدا تحقيق المعجزة المأمولة وهي إقامة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا التصدي المستمر للتهديد الإيراني. هذه الجمل هدفها كسب التأييد الشعبي في أمريكا في نهاية المطاف. ولن تحصل على هذا التأييد بمضايقة اللوبي القوي الموالي لإسرائيل في أمريكا. من الناحية المجردة يمكن القول إن عدد أصوات اليهود في الانتخابات الأمريكية صغير للغاية حيث لا تتجاوز نسبتهم 2% من إجمالي أصوات الناخبين في أمريكا وبالنسبة لهؤلاء الناخبين اليهود هناك قضايا ربما لا تقل أهمية في أسوأ الأحوال عن أهمية مصير إسرائيل. ولكن النفوذ الانتخابي الحقيقي لليهود في أمريكا يتجاوز بكثير الحقائق الرقمية. ولا يعود هذا فقط إلى أن اليهود يمثلون كتلا كبيرة في بعض الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين والمؤثرة في نتيجة الانتخابات مثل ولاية فلوريدا. الحقيقة أن أهمية استقطاب مؤيدي إسرائيل في الانتخابات الأمريكية ترجع إلى حقيقة أن أهم وأقوى مؤيدي تل أبيب وهم المسيحيون المحافظون والإنجيليون وهؤلاء يشكلون كتلة كبيرة من الأصوات. إثارة غضب هذه الكتلة من خلال أي تصريح غير مؤيد لإسرائيل يضع أي مرشح في مأزق حقيقي. ثم يأتي دور المال اليهودي في الانتخابات الأمريكية حيث إن المنظمات اليهودية الموالية لإسرائيل ظلت تمثل المتبرعين الرئيسيين لتمويل الحملات الانتخابية لوقت طويل. ولكن بعد رفع القيود على التبرعات الشخصية لتمويل الحملات الانتخابية تضاعفت أهمية المال اليهودي. على سبيل المثال كان الممول الرئيسي لحملة السياسي الجمهوري نيوت جينجريتش للفوز بترشيح الحزب في انتخابات الرئاسة 2012 هو إمبراطور النوادي الليلية اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون الذي يمثل دعم إسرائيل بالنسبة له قضية حاسمة، وربما لهذا السبب رفض جينجريتش الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني نفسه وقال إنه «شعب تم اختراعه». ثم نأتي إلى منظمة لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) وهي أهم منظمة ضغط موالية لإسرائيل في أمريكا. وقد حضر أقل قليلاً من 13 ألف شخص مؤتمرها السنوي الأخير في واشنطن. وفي هذا المؤتمر ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا، كما ألقى كل مرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة كلمات أمام المؤتمر حيث تسابق الجميع لتأكيد الولاء لإسرائيل والحرص على أمنها. والحقيقة أن تأثير (أيباك) على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هائل، وإذا كان التحيز الأمريكي لإسرائيل يمثل العقبة الأكبر في طريق تسوية القضية الفلسطينية فإن (أيباك) هي أكبر سبب وراء هذا التحيز. ولكن هل (أيباك) بهذه القوة؟ هناك مقولة في أمريكا تقول إنه إذا أثرت غضب اللوبي الإسرائيلي فإنك تدمر مستقبلك السياسي. ومن القصص التي تروى لتأكيد هذه المقولة حكاية السيناتور الجمهوري تشارلز بيرسي الذي خسر انتخابات 1984 بعد أن تحدى موقف (أيباك) وأعلن تأييده لصفقة بيع طائرات حربية أمريكية لدولة خليجية وهي الصفقة التي كانت إسرائيل تعارضها بقوة. سواء كان هذا حقيقي أم لا فإنه يظل أمرا جانبيا. فالقوة تكمن في الشعور بالقوة والجميع ينظر إلى (أيباك) باعتبارها قوية بالفعل. هذه المنظمة قوية إلى الدرجة التي جعلت حملة أوباما الآن تشعر بالدهشة. فالناخبون اليهود الأمريكيون ديمقراطيون تقليديا وقد حصل أوباما على 78% من أصواتهم في الانتخابات الماضية. ولكن يبدو أن الجمهوريين يريدون تغيير هذه القاعدة الآن حيث يهاجمون أوباما بدعوى أنه «يزدري» إسرائيل عندما طالب بتجميد بناء المستوطنات واستخدام كلمة المحتلة في وصف الضفة الغربية الفلسطينية ومعارضته الواضحة للقيام بأي عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. سيتمكن أوباما من استعادة الأصوات اليهودية بسهولة. ولكن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية أوباما بين اليهود. كما أن الديمقراطيين خسروا إحدى ضواحي نيويورك ذات الكثافة اليهودية في انتخابات خاصة بالكونجرس العام الماضي وهو ما أعطى الجمهوريين أملا جديدا. وربما يكون كل ذلك مجرد أحلام يقظة بالنسبة للجمهوريين. ولكن من المؤكد أنها ستكون أحد موضوعات الحديث بين الصديقين القديمين نتينياهو ورومني عندما يلتقيان. ومن بين الأشياء التي يمكن التنبؤ بها بسهولة وبثقة كبيرة هي أنه إذا فاز ميت رومني بالانتخابات وظل بنيامين نتينياهو رئيسا للوزراء فإن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لن تكون أوثق مما هي عليه الآن. * (الإندبندنت) البريطانية