آراء كثيرة قيلت عن «عمر»، مسلسل الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي. مع ذلك يجد المرء نفسه مدفوعاً للكتابة عنه من زاوية أخرى لا شك في أنها – وإن بدت للبعض شكليَة – تقع في قلب الدراما التلفزيونية وتشكل حجر التوازن الدرامي كلّه: أعني هنا اللغة بالذات. يكتب وليد سيف حواراته لمسلسل «عمر» انطلاقاً من وعي حقيقة زمانه، أي نهايات «العصر الجاهلي» وبدايات الدعوة الإسلامية. هي مرحلة الشعر الجاهلي وتعليق عيون القصائد على باب الكعبة، والدراما في سياق كهذا لا تحتمل أن تأتي بلغة عادية ولا حتى جميلة، بل لغة متفوقة تنافس الصورة على رغم جبروت الصورة وجاذبيتها. إحدى أبرز جماليات «عمر» تلفزيونياً أنه يزدهي بلغة فاتنة، لغة تأخذ المشاهد/المستمع إلى مناخ الدراما، فتقنعه بيسر بأنه يعايش تلك الحقبة الزمنية الموشّاة بمحاسن فقه الكلام. نعثر على الكثير من ذلك في سلاسة التعبير وفي الاختيارات الصائبة للمفردات، ولكن بالأخص في الحوارات التي تزاوج بين البلاغة كجماليات شكلية، وبين المعنى والمضمون، كمواقف للبشر في عيشهم وصراعاتهم واختلافاتهم. وليد سيف صاحب باع طويل في الكتابة الدرامية التاريخية، منذ «كتابة على لحم يحترق» و «شجرة الدر»، مروراً ب «صلاح الدين» و «التغريبة» وصولاً إلى «صقر قريش» و «ملوك الطوائف»، وهو في كل تلك الأعمال التاريخية برع في القبض على المناخ الدرامي من خلال اللغة بالذات: نتوقف هنا مليّاً وطويلاً أمام تعبيرية الحوارات التي تدفع للقول إن اللغة كثيراً ما استطاعت «سرقة» دور البطولة من الكاميرا في زمن هو زمن الصورة بامتياز. ليست الدراما مجالاً ملائماً تماماً لإبراز ما يمكننا ان نسميه لغة حوار، ولكنها مع ذلك لا تحقق جماليتها من دون هذه اللغة، ومن المهم هنا إيضاح أن ما نعنيه بالجمال هو بالتأكيد تحقيق حيوية الحوار وتناغمه مع الوقائع الدرامية بذلك المعنى الذي يحقق التوازن بين الفكرة والمعنى، وبين الصورة والتاريخ بملامحه الكثيرة. مسلسل «عمر» يروي وقائع الدعوة الإسلامية في بداياتها الأولى من خلال شخصية الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، وهذا امر يحمل في حدّ ذاته دلالاته وجماله وأهميته التاريخية، ومع هذا لا يسعني هنا إلا ان اعبر عن فكرة اساسية: كم كنت أتمنى أن يمنح الكاتب والمخرج مسلسلهما هذا عنوان «الفاروق» تيمناً باللقب العظيم الذي رافق هذا الخليفة العادل والحكيم منذ فجر تاريخه، وذلك استناداً إلى أبرز ما ميّز عمر الفاروق على مدار الأزمنة والعصور.