يقترب موسم الدراما في شهر رمضان، ولا أخبارَ عن «زمن الخيول البيضاء» الذي نُشر في شأنه قبل شهور أن مخرجه نجدت أنزور عكف على معاينة أماكن التصوير واختيار الممثلين، وهو مسلسل عن رواية إبراهيم نصرالله التي تنشغل بمسار القضية الفلسطينية، منذ نهايات القرن التاسع عشر إلى نكبة الاحتلال الأول في 1948. وإذا ما أنجز وشوهد في رمضان، فسيكون علامة مهمة بين الأعمال الدرامية التي اعتنت بالموضوع الفلسطيني، ليس فقط لتميز خيارات أنزور المشهدية، بل أيضاً للثراء في الرواية ذاتها. وكانت شركة طارق زعيتر وشركاه التي تتولى إنتاج المسلسل قد أشهرت في عمّان في آب (أغسطس) الماضي غازي الذيبة كاتباً لسيناريو «زمن الخيول البيضاء» وحاتم علي مخرجاً، وتغيرا لاحقاً بصاحب الرواية نصرالله وأنزور. وإن لم يُقيّض لهذا العمل عرضه في رمضان، فإن مسلسلا ينشغل بالقضية الفلسطينية والمقاومة هو «سفر الحجارة» سيحضر على الشاشة، ويعدّه مخرجه يوسف رزق مسلسلا اجتماعياً أيضاً، وسيأتي على أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة في مسار وقائعه، كما كتبها هاني السعدي. يشار هنا الى العملين الموعودين، للفت الانتباه في الذكرى الراهنة للنكسة، أي الاحتلال الثاني لفلسطين في 1967، إلى قلة الأعمال الدرامية العربية التي اتجهت إلى الموضوع الفلسطيني، بإحالاته الإنسانية والوطنية. وكانت سوريّةً وأردنيّةً في الانتاج والإنجاز، فيما حضور الوقائع الفلسطينية في المسلسلات المصرية ظلّ بمقدار اتصالها بأحداث وتفاصيل مصرية. والأقرب إلى الذاكرة مسلسلا «التغريبة الفلسطينية»، وخصوصاً «الاجتياح» الذي أخرجه التونسي شوقي الماجري، فطنت بإعادات قليلة لعرضه فضائياتٌ عربية بعد فوزه في نيويورك في تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي بجائزة إيمي العالمية للدراما التلفزيونية. ومعلوم أن المسلسل، وقد عرض للمرة الأولى في رمضان 2007 ينشغل، وبحرفية مشهودة، بالصمود والمقاومة التي خاضها الفلسطينيون أثناء عدوان السور الواقي في الضفة الغربية في شتاء 2002، ويركز على معركة مخيم جنين غير المنسية في الكفاح الفلسطيني. أما «التغريبة الفلسطينية»، من كتابة وليد سيف وإخراج حاتم علي، فقد أعيد كثيراً على شاشات فضائيات عربية منذ عروضه الأولى على «إم بي سي» في رمضان 2005. وهو ينصرف إلى مسار القضية منذ ما قبل ثورة 1936 إلى هزيمة 1967، ويتصف بجماليات موفّقة في التمثيل والإخراج والموسيقى التصويرية. ولا يُنسى في معرض الاستعادة هنا من ذاكرة الدراما العربية عن فلسطين مسلسل «وجه الزمان» في 1988، عن رواية طاهر العدوان بالعنوان نفسه وكتابة وسيناريو محمود الزيودي. وينشغل بأربعينات القرن العشرين في مسار القضية ومحاولات الصهاينة الاستيلاء على فلسطين. ويلتفت مسلسل سابق إلى المرحلة ذاتها، هو «إبراهيم طوقان»، عن الشاعر المعروف، عرضه التلفزيون الأردني في نهايات السبعينات، وكتبه محمود شقير وأخرجه موفق الصلاح. وليس منسيًّا مسلسل «عز الدين القسام» في 1985، من كتابة الشاعر أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي. وكذلك «نهارات الدفلى» في 1995، من كتابة الشاعر فواز عيد وإخراج أحمد زاهر، ويتناول مراحل مبكرة في تاريخ القضية الفلسطينية. ولاحقاً، «عائد إلى حيفا» في 2005، عن رواية غسان كنفاني من إخراج باسل الخطيب وسيناريو وحوار غسان نزال، ولم يحظ بالرواج الذي يستحقّه، على رغم مستواه الفني الجيد. وأنجز المخرج نفسه في العام ذاته مسلسل «عياش» عن الشهيد يحيى عياش، وانفردت فضائية «المنار» بعرضه، وهو من تأليف ديانا جبور، وأشهرت زوجة الشهيد انتقادات في شأنه. وبين تلك الأعمال ما له قيمته الفنية، وكذلك التاريخية في معرض تناول الدراما العربية القضية الفلسطينية، وهي مسوغةٌ هنا للدعوة إلى أن يُعاد بث القديم منها، من باب الانتباه إلى ذاكرة التلفزيون العربي في هذا الشأن. وفي البال، أن من الأعمال المذكورة ما هو حديث العهد، ما قد يؤشر إلى أن «الاجتياح» ليس وحده الذي لم ينل ما يستحقه في التسويق والترويج، لمحاذير معلومة وأخرى غير معلومة، وربما أيضا بسبب اللامبالاة والمخاوف المكتومة من مضامين غير محبّذة لدى القائمين على فضائيات عربية غير قليلة. وقبل ذلك وبعده، يمكن التخمين أن قلة المسلسلات عن الموضوع الفلسطيني، ومساره تاريخاً وراهناً، تعود إلى عدم حماس التلفزيونات العربية له، وعدم وفرة نصوص قوية قادرة على جذب مشاهدة عريضة. ولمناسبة استذكار نكسة 1967 في هذه الأيام، ونكبة 1948 قبل أسابيع، يمكن دعوة صناع الدراما العرب، كتّاباً ومخرجين، إلى الالتفات إلى وقائع إنسانية في مسار الوجع الفلسطيني الطويل، ما قد ينقذ المسلسلات التلفزيونية عن القضية من الدوران في التوثيق والتأريخ، والذي يحدث أن يسقط في تقصّد الفلكلورية، وفي سطحية العبور على محطات كانت بالغة الأثر على القضية الفلسطينية، وربما ما زالت. وفي كل الأحوال، يبقى انتظار «زمن الخيول البيضاء» و «سفر الحجارة» قائماً.