استحوذت شركة الصين الوطنية للنفط البحري «سنووك» على شركة «نكسن» الكندية، ما اعتبره بعض الخبراء صفعة لكل الأميركيين الذين عارضوا شراء الصين شركة «ينوكال»، إذ «طردت بكين من الباب، فعادت من الشباك»، كما جاء في المثل الشعبي. وهناك أدلة عدة تشير إلى أن اختيار نكسن تم بعد درس عميق للأسباب التي ساهمت في فشل الصفقة الأولى. فعلى سبيل المثال، جزء كبير من أصول «نكسن» يقع خارج كندا، ما سد الباب على الكنديين الذي قد يقولون إن الصين تشتري أصولاً كندية. كما أجرت الصين محادثات مطولة مع الكنديين والأميركيين للتأكد من غياب أي معارضة على المستويين القانوني والسياسي. لماذا السعر المرتفع؟ الاتفاق ينص على أن تقوم «سنووك» بدفع 15.1 بليون دولار نقداً، وأن تتحمل ديون «نكسن» البالغة 4.3 بليون. وعلى رغم موافقة مجلس إدارة «نكسن» على بيعها، فإن الحكومة الكندية هي التي ستحدد مصير هذا الاتفاق. من الناحية الاقتصادية، ليس هناك أي سبب لرفض الحكومة، بخاصة أن الصين دفعت سعراً أعلى بكثير من سعر السوق حيث كانت الزيادة أكثر من 60 في المئة. ويبدو أن هناك اتفاقاً صينياً - كندياً مسبقاً على إتمام العلمية من دون مشاكل. فلماذا تدفع الصين أسعاراً عالية على أصول قيمتها الحقيقية أقل من هذا السعر؟ بعبارة أخرى، سعر سهم شركة نكسن في يوم الاستحواذ يعكس أصول الشركة من جهة، ودخلها وأرباحها المستقبلية من جهة أخرى، فلماذا دفعت الصين زيادة مقدارها أكثر من 60 في المئة؟ السبب هو أن حسابات الصين تختلف عن حسابات الآخرين. فمن وجهة نظر الصين، فإن السعر يعكس الأصول والدخل والأرباح المستقبلية من جهة، والخبرات والتكنولوجيا من جهة أخرى. وإذا نظرنا إلى الشركة نجد أنها مميزة فعلاً حيث إنها من الشركات النفطية القليلة في العالم التي تمتلك خبرات في تطوير حقول الرمال النفطية بكل الطرق المعروفة، وحقول النفط في المياه العميقة والسطحية، وحقول الغاز والنفط غير التقليدية، بخاصة صخور السجيل، إضافة إلى خبرات في تطوير حقول النفط والغاز التقليدية. كما أن أصولها موزعة جغرافياً في شكل مغر في شتى أنحاء العالم، وتعطي الصين القدرة على تطوير حقول في خليج المكسيك من دون مواجهة مباشرة مع الكونغرس الأميركي. لم يتغير موقف الأميركيين الذين عارضوا استحواذ الصين على شركة «ينوكال» الأميركية، فهم معادون أيضاً لاستحواذ الصين شركة «نكسن الكندية». إلا أن الفرق بين الماضي والحاضر هو أنهم في الماضي وجهوا غضبهم إلى الصين، أما الآن فإنهم صبوا جام غضبهم على حكومة الرئيس باراك أوباما. فهم يرون أن الكنديين وافقوا على بيع الشركة بسبب سياسات البيت الأبيض المعادية للنفط، والتي رفضت إعطاء تصريح لأنبوب نفط يمتد من حقول رمال النفط في ألبرتا إلى مدينة كوشينغ في ولاية أوكلاهوما. ويرى هؤلاء أن كندا ما كانت لتوافق على بيع «نكسن» لو سمحت حكومة أوباما ببناء هذا الأنبوب. وتخوف هؤلاء في محله لأن الأثر الأول للصفقة على أسواق النفط، هو أنه قد يحول مجراه واتجاهه في شكل جذري: بدلاً من نقل النفط الكندي عبر أنابيب إلى خليج المكسيك، ومن ثم إلى أوروبا وآسيا عبر قناة السويس، سيمتد خط أنابيب إلى غرب كندا ينقل النفط مباشرة إلى الصين، وربما إلى الدول الآسيوية الأخرى. بالنسبة للصين، فإن هذا الأنبوب لن يخفف التكاليف فقط، وإنما سيساهم كثيراً في تأمين إمدادات النفط المستقبلية، بعيداً من العالم العربي ومشاكله السياسية، ومن الممرات المائية المهددة دائماً مثل مضيق هرمز وقناة السويس وباب المندب. وسيساهم نقل النفط عبر غرب كندا في رفع أسعار الخام الأميركي، وفي تقليل الفرق بين خام «برنت» وخام «غرب تكساس»، وربما إلغاء هذا الفرق تماماً. هذا يعني أن استحواذ الصين على شركة «نكسن» سيكون لمصلحة المنتجين الأميركيين، لا المستهلكين. تمتلك شركة «نكسن» حقولاً للغاز في غرب كندا، التي تعد مهداً لعمليات إنتاج ضخمة في العقدين المقبلين لإمداد محطات الغاز المسال التي تبنى الآن لتصديره إلى الصين واليابان وغيرها من الدول الآسيوية. واستحواذ «سنووك» على هذه الحقول يعني مزيداً من الدعم لمحطات الغاز المسال، وربما قد يتم زيادة عددها. هذا يعني أن الصين ستحصل على الغاز المسال عبر المحيط الهادئ بسعر معقول، ومن دون المرور بمضيق هرمز أو قناة السويس أو باب المندب. وهذا يعني مزيداً من التنويع في مصادر الغاز المسال الذي تستورده الصين، والتي قد تتحول إلى أكبر مستورد له في العالم خلال عقدين. هذا التنويع سيمكن الصين من الضغط على قطر وأستراليا وغيرهما للحصول على عقود بأسعار ومزايا أفضل، كما سيساهم في فرض تسعيرة جديدة في أسواق الغاز المسال هي أقرب إلى أسعار الغاز الطبيعي من النفط، حيث إن الغاز المسال سُعّر تاريخياً بناء على أسعار النفط. إن استحواذ الصين على شركة «نكسن» الكندية سيؤثر في أسواق النفط والغاز العالميتين بطريقة أو بأخرى. وإذا استمرت بكين في عمليات الاستحواذ هذه فإن الأثر سيكبر مع الزمن. ونظراً إلى عدم تأثر أسعار أسهم الشركات المماثلة بعملية الشراء هذه، فإن هذا يعني أن التجار لا يتوقعون قيام الصين بعملية مشابهة قريباً. * اقتصادي في شركة «إن جي بي» الأميركية