أعلن البطريرك الماروني بشارة الراعي ان «المسيحيين هم ضرورة ملحة للعالم العربي كي تستمر لغة المحبة والاخوة والتنوع واحترام الآخر»، داعياً اللبنانيين والكتل السياسية كلها الى توحيد رأيها في شأن كل القضايا المصيرية كانتخاب رئيس جديد للبلاد. وصل وفد من بطاركة الشرق الى اربيل في العراق وضم الى الراعي، بطريرك الملكيين الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطريرك السريان الارثوذكس اغناطيوس افرام الثاني كريم، ورافقهم عضو لجنة الحوار الاسلامي- المسيحي حارث شهاب، في زيارة ليوم واحد اطلعوا خلالها على أوضاع المسيحيين المهجرين الذين اجبرهم تنظيم «داعش» على مغادرة مناطقهم. وبحثوا في كيفية المساعدة لابقائهم في ارضهم، اضافة الى لقاء المسؤولين في اقليم كردستان العراق. وكان في استقبال الوفد في مطار اربيل عدد من المسؤولين في حكومة اقليم كردستان، ثم توجه الوفد إلى مطرانية الكلدان الكاثوليك، حيث يتواجد المسيحيون النازحون. والقى الراعي كلمة قال فيها: «كمسيحيين، لغتنا هي لغة المحبة والسلام، وإن كان هناك من باع نفسه للشيطان وللشر، وعلينا ان نعمل على تحرير المسيحيين الذين يجب أن يبقوا في العراق وفي كل العالم العربي». وأضاف: «جئنا الى هنا للتضامن مع النازحين على كل المستويات، وان نشجعهم كي لا يخافوا مهما قست الظروف، وسنعمل كبطاركة صوتاً واحداً للمطالبة بكل حقوقهم وتأمينها لهم. على الأسرة الدولية واجب التحرك، لأنه لا يجوز أن تكون هناك تنظيمات إرهابية مثل «داعش» وغيرها تهجر الناس من بيوتهم وتنتهك حرمتهم، ونطالب بأن يعود النازحون الى أراضيهم بكرامة ولا نقبل أقل من ذلك، فالنازحون العراقيون أبرياء، ولا يجوز ان تنظر الأسرة الدولية الى اندثار حضارة وثقافة بناها المسيحيون مع إخوانهم المسلمين، ونحن كبطاركة سنحمل هذه القضية الى الفاتيكان والأممالمتحدة والى كل العالم، ولا يمكن أن نتفرج على الشر والظلم وأن نقبل به يستبد بالشعوب». بعد ذلك توجه الوفد الى كنيسة مار يوسف في المطرانية، حيث القى مطران الكلدان في اربيل بشارة وردة كلمة شرح فيها المعاناة التي يعيشها النازحون. ورد الراعي بكلمة تمنى فيها «انارة عقول المسؤولين في العالم للعمل لإحلال السلام والمحبة والوئام بين الشعوب». وقال: «ان كنيستنا اليوم متألمة آلاماً كبيرة لما يعيشه المسيحيون في هذا الشرق، ونحن متضامنون معكم بكل شيء، فالمسيحيون ليسوا اقليات على الإطلاق، فنحن كنيسة المسيح منذ آلاف السنين، ولا بد لي من أن أوجه تحية الى كل من انتهكت كرامته وأذل وهجر وشرد. لقد دخلوا الى الكنائس وكسروا الصلبان ودنسوا الكنائس، هذه هي العينة المتألمة». وأضاف: «نحن هنا لنقول اننا نتألم معكم، ونطلق صرخة الى كل الأسرة الدولية والعربية ونخاطب الأممالمتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والمحكمة الدولية الجنائية ونقول لهم لا يمكن مع البابا أن نقبل أن يستمر هذا الظلم ولا يجوز لتنظيمات إرهابية أن تفتك بشعب آمن، وكأننا عدنا الى ما قبل العصر الحجري، وعلى الأسر الدولية والجميع أن يتحملوا المسؤولية ويضعوا حداً لكل هذا الظلم والتعديات وأن يعيدوا أهلنا جميعهم الى مدنهم وقراهم وممتلكاتهم منصوري الكرامة، محفوظي الحقوق لأننا لسنا بطارئين على هذا البلد، فلن نقبل ولا يمكن أن نترك هذه الأرض المقدسة تدنس بهذا الشكل». أربيل: متمسكون بالمسيحيين والتقى الراعي ووفد البطاركة الكاثوليك رئيس الحكومة في اقليم كردستان نجرفان البارزاني، ثم رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني. ونقلت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن المسؤولين في إقليم كردستان أكدوا للراعي «التمسك بالمسيحيين والدفاع عنهم حتى آخر نقطة دم». وكان إجماع خلال اللقاءات على «رفض الدعوات الخارجية لتوطين النازحين، وإذا كانت الدول تريد مساعدتهم فلتقدم لهم المساعدة حيث هم». وعقد الوفد مؤتمراً صحافياً مشتركاً قبل عودته الى بيروت مساء، شدد خلاله الراعي على ان «المجتمع الدولي مجبر على مساعدة مسيحيي العراق». وتوجه الراعي إلى المسيحيين، قائلاً: «لا تفكروا بالهجرة، فأنتم بحاجة إلى البقاء في أوطانكم والحفاظ على جذوركم وأرضكم». وتحدث عن أهداف الزيارة ومنها «أن نطلق نداء للمجتمع الدولي أن لا يقف متفرجاً على إرهاب «داعش». وأوضح الراعي أنه لم يدع إلى الحوار مع «داعش» بصفتها دولة «بل كان همي أن أقول لهم إنهم فقدوا إنسانيتهم، فهل هم بشر؟». ولفت رئيس طائفة الكلدان في العراق والعالم البطريرك لويس ساكو إلى أن «كنائسنا المشرقية حاضرة وسط النكبة التي حلت بالمسيحيين والايزيديين». وأكد خلال المؤتمر الصحافي المشترك أن «زيارة الراعي للعراق رفعت من معنوياتنا»، معتبراً أن «المطلوب منا أين ما كنا أن يكون صوتنا وموقفنا وشعورنا واحد». أما البطريرك لحام فشدد على انه «يجب أن نبقى معاً مسلمين ومسحيين لبناء عالم أفضل في بلادنا». بدوره، ناشد البطريرك أغناطيوس أفرام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «زيارة العراق ليرى بنفسه ما يحصل وطريقة عيش المهجرين»، وأيضاً ناشد البابا فرنسيس أن يقوم بدور أكبر. وكان الراعي قال في مطار رفيق الحريري الدولي قبل المغادرة صباحاً: «ذاهبون للتضامن مع إخوتنا المسيحيين الذين طردوا من بيوتهم على يد «داعش» والمنظمات الارهابية الاخرى من مناطق الموصل وسهل نينوى». وعن قرار مجلس الوزراء دعوة الهيئات الناخبة قال: «الدولة مضطرة لاتخاذ مثل هذا القرار، لأن على المسؤولين ان يتجنبوا الفراغ على مستوى المجلس النيابي. نحن دائماً نطالب بأن نذهب الى الأسهل المتمثل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وسنبقى نطالب بذلك لأن البلد لا يمكن له ان يستقيم من دون رأس، وسنبقى نندد بأنهم يخالفون الدستور وأنهم مسؤولون مباشرة عن الدولة خصوصاً النواب والكتل السياسية التي هي مسؤولة عن الدولة والنظام، وهم أول من يخالفون هذا الأمر، وكل يوم يخالفون وينقضون الدستور». وعن احتمال حصول لقاء مباشر بينه والامين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله، قال الراعي: «أصلاً، هناك لجنة حوار بين بكركي وحزب الله، ونحن مستعدون لاجراء اي لقاء على هذا الصعيد. طبعاً نحن نقول انه مفروض على جميع اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم مع بعضهم بعضاً من اجل الوحدة الداخلية ومن اجل ان نواجه معاً الخطر الكبير الذي هو تنظيم «داعش» وكل المنظمات الارهابية الاخرى التي بدأت تتغلغل في لبنان». وأضاف: «نشكر الله ان الجيش اللبناني في عرسال استطاع ان يسيطر على الموقف هناك، لكن ذلك لا يعني اننا سيطرنا على وجود الارهابيين لأننا ندرك انهم باتوا متغلغلين شمالاً ويميناً. ولولا العناية الالهية التي تحمي لبنان ولولا الجيش اللبناني فإن لبنان معرض لخطر كبير، ونحن هنا نطلب من جميع اللبنانيين والكتل السياسية كلها ان توحد رأيها في شأن كل القضايا المصيرية كانتخاب رئيس جديد للبلاد، والقضايا الامنية والاقتصادية ووقف الفساد وكل المشاكل الكبيرة التي يعاني منها لبنان». وقال: «نضم صوتنا الى كل ارادة حسنة تطلب اللقاء، على الجميع ان يلتقوا معاً. ولم نسكت مرة عن اجراء مثل هذا اللقاء، لذلك نطلب من اللبنانيين توحيد كلمتهم وعقد مؤتمر او لقاء، فلماذا نجد كلاً في بيته. ليتفضلوا ويجروا لقاءات مباشرة في ما بينهم لنرى كيف يمكن ان نعالج قضايانا المصيرية والوطنية الكبرى». قيل له: هل ننتظر لقاء مباشراً قريباً بينكم وبين السيد نصر الله في كنيسة مار مخايل مثلاً؟ أجاب: «لماذا في كنيسة مار مخايل، نحن على استعداد للقاء اينما كان، ونحن نتمنى ان نلتقي معاً. ليس المكان هو المهم، انما المهم والاهم ان نلتقي ونتحدث بلغة واحدة، فلبنان في خطر والشعب اللبناني في خطر والكيان اللبناني في خطر، ولا يحق لأحد ان يبقى يتمترس في بيته ويقول انا الدولة والدولة انا فقط، فالدولة اسمها لبنان وكلنا تحت سقف هذه الدولة. هذا نداؤنا كل يوم، نكرره وسنبقى نكرره باستمرار لكل الفئات السياسية في لبنان».