منذ أن انضم إلى «الجيش السوري الحر» أصبح المقاتل السوري رضوان الساعور هارباً أغلب الوقت، ويختبئ في غابات محافظة إدلب قرب تركيا، في الوقت الذي سيطرت فيه قوات الحكومة على البلدات واحدة تلو الأخرى. لكن مصيره ومصير حركة المقاومة المسلحة تغير بشكل جذري خلال الأسابيع القليلة الماضية، ففي الشهر الماضي احتفل الساعور بصد هجوم للجيش على بلدة كفر كرمين، من خلال إضرام النار في دبابة تابعة للجيش روسية الصنع. وقال الساعور (26 عاماً)، وهو عامل سابق كان يكسب قوت يومه في ميناء اللاذقية: «أخذنا مدافعهم المضادة للطائرات وغنائم... وتركنا عشرات من رجالهم قتلى». وكان النجاح الذي يحققه الساعور تقابله مكاسب أوسع نطاقاً يحققها مقاتلو المعارضة في أنحاء البلاد خلال الأسبوعين الماضيين، مع سيطرة مقاتلي المعارضة على عدد من المعابر الحدودية، ونقلهم المعركة ضد النظام إلى العاصمة دمشق وإلى حلب. لكن ليس كل ما يتمناه مقاتلو المعارضة يدركونه، فقد استعادت القوات الحكومية السيطرة على أغلب دمشق وقامت بهجوم مضاد في حلب بعد جلب تعزيزات من محافظات مجاورة. لكن في حين أجبر القصف المكثف للجيش خلال الأسابيع القليلة الماضية المئات من زملاء الساعور على التراجع من البلدات داخل محافظة إدلب والمناطق الريفية إلى الشمال من حلب، أصبح أغلب المناطق الريفية في شمال غرب سورية خارجَ نطاق سيطرة الجيش، الذي يعاني ضغطاً شديداً. وقال الساعور، وهو بين مئات المقاتلين الذين يتنقلون عبر الحدود مع تركيا، لرويترز في شقة بمدينة ريحانلي الحدودية التركية: «نحن الآن نسيطر على أغلب الريف المحيط بإدلب والمنطقة الريفية إلى الشمال من حلب». ويقول عدد من قادة «الجيش السوري الحر» إن نحو 70 في المئة من البلدات الكبيرة على الحدود في شمال غرب سورية المتاخم لتركيا -مثل معرة النعمان وسرمدا وكفر تخاريم وتفتناز وبنش- أصبح تحت سيطرة مقاتلي المعارضة. وفي المناطق الريفية في شمال البلاد وغربها قرب حلب، المركز التجاري للبلاد، سقطت بلدات كبيرة مثل الأتارب ودارة عزة وعندان وتل رفعت، وعشرات من القرى الأصغر تحت سيطرة مقاتلي المعارضة. وأدى هذا إلى جعل المشارف الجنوبية والشرقية الريفية فقط من مدينة حلب تحت سيطرة قوات النظام. وقال أبو عمر، وهو مقاتل صغير السن من إدلب: «لولا القصف لما تمكن من السيطرة على الريف على الإطلاق. كلما زادت الخسائر على الأرض كلما أضعفت الانشقاقات الجيش». ويقول مقاتلو المعارضة إن بلدة حارم، وهي بلدة حدودية تسكنها أغلبية سنية موالية للنظام، وقرى مثل كفريا التي تسكنها أغلبية شيعية على بعد 25 كيلومتراً من الحدود مع تركيا، وكذلك أجزاء من جسر الشغور، أصبحت أرضاً معزولة موالية للجيش في محافظة إدلب التي تقطنها أغلبية سنية قرب تركيا. وأصبحت قوات النظام في الشمال الغربي، التي تعرضت لهجمات متكررة ولتفجير قنابل على الطرق، مقتصرةً في وجودها بشكل متزايد على عدد من القواعد الكبيرة، بما في ذلك قاعدة مصطومة للجيش على بعد أربعة كيلومترات إلى الجنوب من مدينة إدلب. ويقول مقاتلو المعارضة إن مقر الكتيبة 46 من الحرس الجمهوري إلى الجنوب من بلدة الأتارب المضطربة على بعد 15 كيلومتراً إلى الغرب من بلدة ريحانلي على الحدود التركية، كانت مصدراً لبعض من أعنف هجمات المدفعية. وعلى مدى الشهرين الماضيين، هجر الجيش نقاط تفتيش كانت تفصل بلدة عن أخرى، بعد تكبده خسائر كبيرة بسبب الكمائن والألغام الأرضية التي استهدفت قوافل الجيش في مسارات إمداد إلى حلب وإدلب وحمص. وأسفرت عملية في الشهر الماضي عن سيطرة مقاتلي المعارضة لفترة قصيرة على قاعدة غنطو الجوية الاستراتيجية قرب بلدة الرستن المضطربة حيث دمروا صواريخ أرض-جو. وفي الوقت ذاته تقريباً، أسفر هجوم جريء على جبل شيخ بركات على بعد نحو 20 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من حلب، عن سيطرة مقاتلي المعارضة على محطة للرادار ونهب محتوياتها وقتل المدافعين عنها. وفي الأسبوع الماضي سيطر مقاتلو المعارضة أيضاً على معبر باب الهوى الرئيسي مع تركيا ونقطتين حدوديتين أخريين. وقال شخص يدعى بركات، دخل المعبر من حلب: «سلطة الدولة اختفت تقريباً من الطريق السريع الرئيسي طوال الطريق من تركيا إلى حمص». وفي بلدة عندان على بعد 20 كيلومتراً إلى الشمال من حلب، يقول مقاتلون إنهم يعودون ليلاً للاشتباك مع الجيش في هجمات كر وفر على نقاط تفتيش ومجمعات أمن مجاورة، حتى بعد أن أجبرهم الجيش على التقهقر إلى الجبال المجاورة. وقال إبراهيم معتوق (35 عاماً) وهو قائد محلي للمقاتلين نقله زملاؤه في سيارة إسعاف تركية على الحدود لتجرى له جراحة بعد إصابته بأعيرة نارية في الصدر والساق اليسرى: «ليست لديهم سيطرة ليلاً، وحتى خلال النهار لا يمكنهم البقاء لفترة طويلة». وأضاف: «إنهم يقصفون بلدات الريف التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بعشوائية على مسافة تصل إلى 30 كيلومتراً من قواعدهم، وهدفهم هو ترويع السكان وجعل الناس يكرهوننا وينقلبون علينا، لكن الأثر عكسي، كلما قصفونا كلما زاد تلاحم الناس وكرههم لهم». ويقول مقاتلون شبان، والكثير منهم أصيب بجروح بسبب الشظايا أو بكسور في العظام، إن معارك الأسلحة النارية التي استمرت شهوراً صقلت مهاراتهم القتالية. وقال خلدون العمر والذي وصل من سرمدا على بعد خمسة كيلومترات من الحدود التركية: «لم يكن لدينا خبرة في زرع المتفجرات أو أي قيادة متماسكة... لكن هذا الوضع يتغير الآن». وأضاف: «المعارك تبدو وكأنها حرب بين جيشين، حتى على الرغم من أنهم يتفوقون علينا من حيث المعدات». وقال العمر إن مئات الشبان، والكثير منهم تلقوا بالفعل تدريبات عسكرية عندما التحقوا بالتجنيد، أصبحوا الآن يحصلون على تدريب أكثر ضراوة في مناطق غابات بامتداد الحدود التي يسهل اختراقها في معسكرات موقتة. كما أن مقاتلي المعارضة من الشبان، يستخدمون الآن عبوات ناسفة أكثر تقدماً ضد المدرعات التي يستخدمها الجيش السوري في معركته معهم. وأظهرت وسائل إعلام سورية رسمية ذخيرة قالت إنها صودرت من «مجموعات إرهابية مسلحة»، في عرض يقول مسؤولون إنه يثبت أكثر أن أسلحة ترسلها دول أجنبية تصل إلى أيدي مقاتلي المعارضة. ويقول مقاتلون إنه قبل عدة أشهر تراجع مقاتلو المعارضة من مدينة إدلب، حيث أسفرت هجمات شنها شبان يحملون بنادق كلاشنيكوف عن إحداث خسائر محدودة وردٍّ عنيف من المدفعية. وقال أنس حاج حسن، وهو من مقاتلي المعارضة، إن استخدام الجيش أجهزة متقدمة في الطائرات الهليكوبتر لرصد اتصالات مقاتلي المعارضة، ساعد على تحديد أماكن الكثير من مخابئ المقاتلين لقصفها.