قدّم المخرج شادي الزين باكورة أعماله كتابةً وإخراجاً على مسرح مونو في بيروت تحت عنوان «كل جمعة عظيمة». تبدأ قصّة هذه المسرحية الطويلة، حين يرى أحدهم تمثال السيدة العذراء يتحرّك في الكنيسة فيصرخ بأعلى صوته متأثراً بالأعجوبة التي شهد لها، وكما العادة أمام كل حدث غير عادي، يظهر مشكّكٌ يعتبر أنّ مَن شاهده كاذب أو مجنون. من هذه الحبكة البسيطة تبدأ خيوط الحوادث بالتفرّع، لتأتي امرأة أخرى تشهد لأعجوبة جديدة داخل الكنيسة، ثمّ تصل فتاة تريد أن تتمرّن على ترانيم الآلام مع عازف البيانو... تدخل الشخصيات واحدة بعد الأخرى قبل أن يخرج جميع الممثلين من أدوارهم، في لحظة غير متوقعة، فنصبح في مسرحية داخل مسرحية، وتتداخل العبثية مع الواقعية، ويمتزج الخيال بالحقيقة، فيضحك الجمهور حيناً ويضيع في الصراخ أحياناً. الممثلون المشاركون في العمل لم يكن عددهم قليلاً نسبياً، ماريليز عاد، أدون خوري، رامي عطا الله، سارة عطا الله، ليال غانم، ندى مزنّر، كلارا قصيفي، علي جواد، فابيو خوري، جنى يونس، فراس أبو حمدان، رودولف قزّي وإليان نجيم. أدوارهم تنوّعت، وكذلك الأداء، فأظهر بعضهم قدرة لافتة في جذب نظر الجمهور إليه أكثر من سواه. المونولوغات الطويلة دارت على أكثر من ممثل بالتناوب. يصمت الجميع ويتحرّكون ببطء حول الممثل الذي يبدأ كلاماً يمتدّ دقائق طويلة كفيلة بأن يشرد ذهن المُشاهد فلا يعود يسمع سوى صوت مبهم في جوّ مسرحي لا يخلو من جمال المشهدية. تلك المونولوغات المحشوة بكلماتٍ عميقة ولافتة في معظم الأحيان، فقدت أهمية مضمونها، بسبب طولها وبسبب الأسلوب الذي اعتمده شادي الزين في زجّ أبرز أفكاره داخلها بدلاً من توزيعها على طول المسرحية. شخصية بعد أخرى وصل إليها الدور، لتبدأ نصّاً طويلاً تكشف من خلاله ملامحها، فيسكت بقية الممثلين في حين يتمنّى الجمهور لو تنتهي تلك المونولوغات، بخاصّة حين تكون الفكرة الأساسية قد وصلت. شادي الزين الذي كتب نص المسرحية وأخرجها وقام بعملية السينوغرافيا والكوريغرافيا والإدارة الفنية ونظم كلمات الأغاني وشارك في التأليف الموسيقي... نوّع في الأنماط المسرحية خلال العرض تماماً كتنوّع مهماته، فشاهدنا عملاً يتضمّن الكوميديا والدراما، العمق والبساطة، الموسيقى الكلاسيكية والشرقية وموسيقى البلوز... لكن المشكلة هو أنّ ذلك التنوّع، بقدر ما حاول خلق غنى للعرض، سبّب فوضى في الأفكار أثّرت سلباً على الجوّ العام فصارت بعض الدقائق ثقيلة جداً. ما نجح فيه شادي الزين فعلاً هو الاستفادة من كل عناصر الديكور التي تتبدّل وتتغيّر تحت نظرنا من دون أن نشعر بها فيتحوّل الدرج إلى تابوت والمقعد إلى سرير... كذلك لم يكتفِ المخرج بخشبة المسرح لتجري عليها الحوادث بل اعتمد فضاء مسرحياً مفتوحاً يمتّد إلى الكواليس ويمرّ في الصالة حيث يجلس المشاهدون، ويصل حتّى إلى خارج الصالة، حيث نسمع صوت أحدهم يكلّم الممثلين. هذا الأمر ساعد الجمهور على تمضية مدّة المسرحية الطويلة بشكلٍ أقلّ تعباً، لأنّ المش`اهدين كانوا يحرّكون أجسامهم على المقاعد ملتفتين إلى الوراء حيناً أو إلى الجانبين أحياناً. لا يمكن القول إنّ المسرحية فشلت في إرضاء الجمهور، ولكن لا يمكن القول أيضاً إنّها نجحت في الوصول بشكل واضح إلى المشاهدين. ربّما كان من الأفضل لو صبّ شادي الزين تركيزه على موضوع محدّد وأعطاه حقّه من جميع زواياه بدلاً من أن يفتح الباب على مصراعيه أمام عدد كبير من الأفكار ومن الأنماط المسرحية ومن أساليب الإخراج... فالواقع لا ينفكّ يبرهن أنّ مَن يحاول أن يقول في وقت واحد كل شيء، يعرض نفسه لخطر ألاّ يسمع منه الناس شيئاً!