أُعلن في أبوظبي فوز روايتي المصري علاء الأسواني «شيكاغو» والأفغاني خالد الحسيني «ألف شمس رائعة» بتسمية كل منهما «الرواية المفضلة في الإمارات»، باللغتين العربية والإنكليزية على التوالي، بعد تصويت للجمهور على 20 رواية عربية ومثلها بالانكليزية. ونشرَت اللائحتين شركة «كتاب»، المشروع المشترك بين هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب. ونظمّت المسابقة شركةُ أبوظبي للإعلام، واستمر التصويت برسائل نصية على رقمي هاتف محدّدين. وفاز مصوتان، هما هشام النادي وأنس حسن حامد، بجائزتين، بعد سحب أوتوماتيكي وفرز للأصوات، وأفيد بأن أكثر من 5000 ترشيح شارك به المقترعون . ضمّت قائمة الروايات العربية التي اختيرت للمنافسة، إضافة إلى «شيكاغو»، الأعمال التي فازت أخيراً بالقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر». والرواية التي فازت بالجائزة العام الماضي، واحة الغروب (بهاء طاهر)، وتغريدة البجعة (مكاوي سعيد) التي كانت في القائمة القصيرة في الدورة الماضية. والروايات الفائزة بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع الآداب، في دوراتها الثلاث: رن (جمال الغيطاني)، نداء ما كان بعيداً (إبراهيم الكوني)، الأمير (واسيني الأعوج). والروايات: بنات الرياض (رجاء الصانع)، سيدي وحبيبي (هدى بركات)، باب الشمس (إلياس خوري)، نباح (عبده خال)، القانون الفرنسي (صنع الله إبراهيم)، ثلاثية الحب والماء والتراب (علي أبو الريش)، مريم الحكايا (علوية صبح)، إضافة إلى الأعمال القصصية (محمد المر). وليس مقنعاً تماماً ما أذاعته الجهة المنظمة أن اختيار هذه الأعمال، ونظيرتها بالإنجليزية، جاء وفقاً «لأرقام المبيعات في المنطقة، واستطلاعات الرأي»، فذلك قد يكون صائباً في شأن عدد محدود فقط من الروايات المختارة، ومنها «شيكاغو» التي فازت بالمرتبة الأولى في التصويت. ذلك أن شيوع أسماء بعض النصوص بسبب نيلها جوائز «بوكر» و «الشيخ زايد للكتاب» لا يعني بالضرورة أن مبيعاتها زادت عن مبيعات غيرها، أو قفزت إلى حد كبير. ويصعب التحقق من هذا الأمر في مدة قصيرة، ولو أن الجوائز تدفع، نظرياً، إلى اقتناء الروايات الفائزة وتشجع على قراءتها . كما أن أقل من ثلاثة أشهر مرّت على إعلان لائحة «بوكر» القصيرة، وأيام فقط مرت على إعلان فوز «رن» بجائزة الشيخ زايد. ولا نتذكّر أن وسائل الإعلام الإماراتية نشرت شيئاً عن استطلاعات للرأي، تم تنظيمها لمعرفة الروايات العربية والأجنبية الأكثر مبيعاً، أو الأكثر مقروئية، ولم تبادر الصحافة الثقافية إلى شيء من ذلك. كما أن «القانون الفرنسي» نشك في وصولها إلى المكتبات والأسواق في الإمارات، وقد صدرت قبل أسابيع فقط عن دار المستقبل في القاهرة. ويحتاج وجود مجموعة أعمال قصصية ضمن «الروايات المتنافسة» إلى تفسير. وإلى هذه الأمور كلها وغيرها، هناك مسافات زمنية بين صدور الروايات التسع عشرة، فقد مضت نحو اثني عشر عاماً على صدور «باب الشمس» ونحو ستة أعوام على «مريم الحكايا»، ما لا يمكن أن يجعل حظوظ حضورهما أمام الجمهور مع غيرهما من الروايات التي صدرت للتو متكافئاً. وعلاوة على ما سبق، وفي البال أيضاً أن المتجول في الأسواق الكبرى والمجمعات التجارية المتنوعة، في دبيوأبوظبي والشارقة خصوصاً، يلحظ أن «شيكاغو» و «بنات الرياض» هما من روايات قليلة معروضة للمتسوقين بين كتب التسلية والطبخ والأبراج والكتب التجارية المرتجلة عن صدام حسين (عن عدم إعدامه مثلاً!) وأسامة بن لادن ومجلات المنوعات عن المرأة والفنانات والأزياء . وقد يعود هذا الأمر، غير المستنكر بالضرورة، إلى الذيوع الكبير لهاتين الروايتين والنجاح في تسويقهما، إضافة إلى روايات لباولو كويللو و «عمارة يعقوبيان» للأسواني، التي وضعت شركة أبو ظبي للإعلام النسخة الإنكليزية لها ضمن لائحة العشرين من الروايات بالانجليزية، كما روايتي رجاء الصانع و «باب الشمس» أيضاً، إلى جانب الرواية الفائزة بجائزة «بوكر» البريطانية في دورتها الأخيرة «النمر الأبيض» للهندي أرافيند أديغا، ورواية «ثلج» للفائز بجائزة نوبل للآداب قبل عامين التركي أورهان باموق، ورواية دان براون التي راجت كثيراً «شيفرة دافنشي»، ورواية الفيلم الحائز على أهم جوائز الأوسكار أخيراً «المليونير المتشرد». البادي من هذه الاختيارات أنها تذهب إلى الرائج والشهير من النصوص الروائية، أمام القارئين، العربي وغير العربي، في الإمارات، وإلى ما حاز جوائز وتقديراً في الإمارات خصوصاً، ويمكن الزعم أن بعضاً منها حقق مبيعات عالية في الإمارات وغيرها. ولأكثر هذه النصوص قيمة فنية عالية ومكانة متقدمة بين الأعمال الروائية العربية في الأعوام الأخيرة، واستقبلها نقاد وفي الصحافة الثقافية بمقادير من الاحتفاء والاهتمام تستحقها. وصدوراً عن هذه الاعتبارات، يمكن الثناء على التجربة الأولى من نوعها وغير المسبوقة عربياً، وهي التصويت على «الرواية المفضلة»، من باب أنها توّجه أضواء على نصوص شائقة، يتحقق فيها الإمتاع الراقي والأدبية الفنية اللافتة، وتحظى في الوقت نفسه بشيوع جماهيري. ومن ذلك أن «شيكاغو» استحقت ذيوعها بين عامة القراء، ولم تسقط في الخفّة والارتجال والاستسهال الذي يتوسل الشعبوية بالتنازل عن مواضعات الرواية الجيدة وذات الجماليات الفنية على صعيدي السرد والبناء. ويتوازى الثناء هنا مع تحفظات ضرورية على الصيغة التي اختيرت لتمكين روايات دون غيرها لتكون إحداها «مفضلة» على غيرها في الإمارات، وهي التصويت بالهاتف النقال، وجواز أن يتم ذلك لأكثر من مرة من الشخص الواحد. وهذه هي الوسيلة التي يتم فيها تصعيد «أمير الشعراء» في مسابقة سنوية في هذا الخصوص، وتعيين « شاعر المليون» في مسابقة مماثلة، مع الاستئناس بآراء متخصصين بالشعرين الفصيح والنبطي في التظاهرتين اللتين تحظيان في الإمارات باهتمام واسع، رسمي وتلفزيوني وشعبي. إنها الرواية إذاً تجرّب حظها، من خلال مبادرة شركة أبوظبي للإعلام، لتكون نصوص منها، جديدة ومستجدّة، ميدان تنافس، جماهيري في هذه المرّة، وإن بُدئ محدوداً، بالنظر إلى أن خمسة آلاف رسالة نصية قد لا يحسب عدداً كبيراً، وإن رأت المدير العام لشركة «كتاب»، كلوديا كايزر، المشاركة واسعة وتبعث على السعادة، وأن الكتب المرشحة من الأعمال الأدبية الرائعة، بحسب وصفها. والمبالغة بادية هنا، كما في قول كبيرة مسؤولي التسويق في شركة أبوظبي للإعلام، فيدا رزق، أن الروايات الفائزة تعطي «فكرة رائعة» عما يفضله الناس من القراءات . بعيداً عن هذه «الدعائية الترويجية»، تبقى الفكرة طريفة، فيها بعض الجدّة، ونزرٌ من الجديّة والفائدة، ومقادير من تنويعات استهلاكية تسويقية، تقع خارج حسابات الأدب واعتباراته، لكنها تتصل قبل ذلك وبعده بفعل القراءة وطرائق ممارسته وما قد يحف به من مؤثرات إعلامية، وتتعلق أيضاً بجماهيرية الكتاب المقروء. والرواية على ما صار مشهوراً باتت أكثر أجناس الإبداعات الأدبية استقطاباً للقراءة، عربياً وعالمياً. انها تجربة أولى، تستحق الانتباه الحذر والمتحفظ إليها، ولكن من دون غلو ولا شطط أو رفض قاطع.