يبدو أن لا نهاية قريبة لمسلسل الضحك الشعبي المتواصل الذي يثيره يومياً سذاجة وعنجهية بعض دعاة الفضائيات، ممن سُلبت عقولهم الصغيرة وهم يلهثون خلف إشباع شهوة الشهرة المسيطرة على حواسهم، ويدفعون الغالي والنفيس لشراء الأتباع في شبكات التواصل الاجتماعي حتى وصلوا إلى حال مستعصية على العلاج، خصوصاً أنهم يرون بعض الرعاع من أتباعهم يفضلونهم علانية على خاتم المرسلين «عليه أفضل الصلاة والسلام»، وهذا ليس افتراءً من عندي، أو رواية على غرار روايات تنظيم «حدثني بها رجل»، وإنما هي حقيقة شاهدها الآلاف عندما خرج أحد «المعاتيه» عبر «تويتر» بتغريدة صعقت المسلمين، ذكر فيها أن أتباع شيخه في ذلك الموقع أكثر من أتباع النبي، مشيراً إلى أن هذا يدل على أن الله يحب شيخه... فأي بلاهة أكبر من هذه؟ وأي عنجهية منعت ذلك الداعية من التعليق على مديح تابعه، على رغم مئات التغريدات التي طالبته علانية بزجر التابع المغفل لكن من دون جدوى؟ مرت أيام قليلة بعد الحادثة الشنيعة وخرج الداعية الفضائي عبر صفحته في «تويتر»، محطماً صمته، ومعلناً للأتباع أنه سيكرّمهم بنشر الصور الفوتوغرافية التي التقطت له في إحدى مدن أوروبا وهو يرتدي البنطلون. وبالفعل نشر الداعية صوره الملتقطة بعناية وهو متأنق ب«البنطلون» أثناء تجوله في شوارع المدينة الأوروبية المزدحمة بالحسناوات الشقراوات اللواتي خففن من ملابسهن كثيراً بسبب حرارة جو الصيف، وقبل أن يسمع آراء المعجبين والمعجبات في لون «البنطلون» وخصائصه، قرر أن يشن حملة شعواء من الشجب والاستنكار على قرار توظيف النساء السعوديات الفقيرات في المحالّ التي تبيع المستلزمات النسائية... هكذا فجأة ومن دون أي مقدمات أخذ يهاجم وزير العمل ويطالب بإقالته من منصبه فوراً، لأنه مسؤول فقط عن تنفيذ قرار التأنيث الذي جاء بأمر ملكي كريم. ولا يتوقف صاحبنا عند هذا، بل يواصل الهجوم بالتشنيع على الفقيرات العاملات في تلك المحال، ويصفهن بالمتبرجات وذوات اللبس الضيق، وغير ذلك من الأوصاف التي تصور ما تختزنه مخيلته من مشاهد، فهل هناك بربكم كوميديا أكثر إثارة للضحك من هذه؟ وهل النساء السعوديات الفقيرات اللاتي يبحثن عن لقمة العيش لهن ولأسرهن، أحق بتشنيعه من النساء الأوروبيات اللواتي يزاحمهن ذلك الداعية في شوارع مدنهن وأسواقها فيما ابتسامته العريضة لا تفارق وجهه. إن ما يفعله هذا المهووس بالشهرة، وجمع أكبر عدد من المعجبين المغفلين الذين يقدسونه، ليس سوى نتاج طبيعي لأزمة أخلاقية تعصف بالمجتمع... أزمة خلقها التطرف البغيض الذي شوّه سماحة الإسلام، وتم تكريسه بشكل مكثف طوال سنوات مضت، أنتجت فئات من المغيبين عقلياً يمكننا تسميتهم ب«القطيع»، ولولا نعمة الله الكبيرة التي مَنّ بها على البشرية والمتمثلة في ثورة الاتصالات والتقنية لما انكشف هو وأمثاله لذوي العقول والبصيرة. [email protected] @Hani_DH