روّج قبل أيام قليلة بعض المنتسبين لمجموعات الاحتساب غير النظامية في شبكات التواصل الاجتماعي إشاعات عن استعداد مجموعاتهم لدفع مكافآت مالية للفتيات العاملات في محال المستلزمات النسائية في مقابل أن يتركن وظائفهن «المختلطة»، بحسب تعبيرهم، وهذه الإشاعات لو صدقت لحق أن توصف بأنها أول وأغرب «سلوك حضاري» تنتهجه هذه «الخلايا» عبر تاريخها الحافل بكل ما هو عدائي وهمجي. تطور الأمر بعد رواج الإشاعة بشكل جيد في «تويتر» فزعموا أنهم سيتكفلون بدفع راتب يصل إلى خمسة آلاف ريال لكل «كاشيرة» تترك عملها، أي بزيادة تقارب 2000 ريال عن راتب الوظيفة، طبعاً هو كلام في الهواء هدفه تحسين الصورة العامة لهذه «الخلايا»، فمعظم أتباعها، كما يعرف الجميع، من المراهقين العاطلين الذين لا يملكون سوى ملابسهم، وكل ما يقومون به لا يتعدى كونه تنفيذاً أعمى لتعليمات كبارهم الذين يقبضون أموالاً ساخنة خلف الكواليس من بعض التجار المحاربين لنظام «السعودة» ونظام تأنيث محال المستلزمات النسائية في مقابل المحاولات المستميتة التي يبذلونها لتعطيل كل مسعى في هذا الاتجاه. في مكةالمكرمة أُجبرت مجموعة من الموظفات السعوديات أخيراً على ترك وظائفهن في أحد المراكز التجارية بأمر من إدارته التي تعرضت لضغوط «احتسابية» فقررت أن تتخلص من «وجع الراس» بصرف الموظفات إلى منازلهن وإحلال بعض العمّال الأجانب في وظائفهن «بحسب الروايات المتداولة»، ولا أعلم لماذا لا يمكنني تصديق هذه الروايات، فما أرجحه أن تكون هذه الحادثة مجرد مسرحية متفق عليها بين المركز التجاري والصبية الذين قيل إنهم احتسبوا عليه لتصريف الموظفات وتوفير نصف رواتبهن تقريباً باستبدالهن بالعمالة الأجنبية الرخيصة، وفي هذه الحال سيبدو المركز التجاري بريئاً و«غلباناً» أمام الجهات المختصة، أما كلفة المسرحية فلا أظن أنها تجاوزت 1000 ريال فقط، مقسمة بالتساوي على أربعة عاطلين أدوا الأدوار المطلوبة منهم على الوجه السليم. لاشك في أن حيل التجار اللاعبين خلف الكواليس لتعطيل القرارات «المخسرة بالنسبة لهم» لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه إلى محاربتها عبر الرسائل الإعلامية غير المباشرة المتمثلة في أخبار مفبركة مدفوعة الأجر لبعض وسائط النشر، التي تشير إلى ضبط حالات اختلاء غير شرعي في مواقف السيارات بين موظفات «فقيرات» يعملن في محال الملابس نسائية وزبائن عابرين، وما إلى ذلك من قصص تنتهي بمداهمات ودموع وآكشن، الهدف منها تجييش العوام والغوغاء ضد قرار التأنيث، وتصويره كمحفز للانفلات الأخلاقي، وهي بالمناسبة الحكايات نفسها التي كانت تروج عن الطبيبات السعوديات عند بداية التحاقهن بهذه المهنة قبل سنوات طويلة، ثم تلاشت تماماً، لكن الفارق بين الحالتين أن الحكايات الساذجة عن الطبيبات لم تكن مدعومة مادياً من أطراف متضررة من التحاقهن بهذه المهنة، كما هي الحال مع حكايات الإفك التي تروج عن العاملات في الأسواق. إن حرب بعض التجار على قرار التأنيث باستخدام «اللحى المستأجرة» لن تتوقف حتى يتمكن منهم اليأس التام، وهذا سيحدث قريباً بالتزام الجهات المختصة بإنفاذ ما تقرر من دون التفات للألاعيب التي لم تعد تنطلي على أحد اليوم. [email protected] @Hani_DH