أجمل ما يمكن أن يُقال في الوقت الراهن عن حال النظام السوري، هو إشارة المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو الجمعة الماضي إلى أن مجزرة التريمسة في وسط سورية تشير في حال تأكد وقوعها إلى «هروب قاتل إلى الأمام يقوم به النظام». الثائرون لن يتراجعوا عن أمر «حرية» بدأوه، ونظام بشار ليس بمقدوره التوقف عن القمع والقتل والتعذيب والتنكيل، لأنه متى ما فعل ذلك فسيقتلع الثوار في اليوم التالي حكمه من الجذور. ومن الواضح أن النظام قد حسم أمره وأوغل في التورط في الأزمة، وبالنسبة له فإن خيط النجاة الأخير في ظل التنامي المتزايد للثورة في مختلف المدن السورية، يتمثل في العمل على تدشين مشروع الحرب الأهلية الكبيرة. الحرب الأهلية بالنسبة لنظام بشار تحمل ثلاث بشائر رئيسية، الأولى إشغال الثوار بأعداء جانبيين، وبالتالي القضاء على قوة اجتماعهم، وتشتيت جهودهم، وتحويل أنظارهم إلى نقاط وصول أخرى، وإيجاد طبقة من أمراء الحرب الانتهازيين في جانبي الخصومة الأهلية، يسهل احتواؤهم وإدارتهم. والبشارة الثانية تتمثل في تخفيف الضغط الدولي على النظام، وتحويل الجهود الدولية الضاغطة إلى مناطق أخرى بعيدة عن قصر المزة، وربما إشراك النظام مستقبلاً في لعبة الحلول، كونه الأقدر على إدارة المفاوضات الداخلية، والأكثر موثوقية في الاتصال بمفاتيح الحلول العالمية. أما البشارة الثالثة فتتمثل في توريط شريحة كبيرة من المواطنين السوريين في الحرب ضد الثوار، وبالتالي ضمان ولائهم حتى آخر نقطة دم، وعدم انسحابهم خوفاً من انتقام الثوار لاحقاً، بعد تلطخ أيديهم بدماء الأبرياء. عندما تنشب الحرب الأهلية، فإن المسألة ستكون أكبر بالنسبة للعرب والمجتمع الدولي من مجرد إسقاط نظام ديكتاتوري في هذا الوضع! وجود نظام «متعاون» مع الجهود الدولية أفضل بكثير من جر البلاد إلى فراغ سياسي تتسابق المجموعات الإرهابية المعروفة وغير المعروفة لملئه! هكذا يظن النظام، وهكذا يعمل لتأكيد ظنونه! الحرب الأهلية التي كان النظام يرفض الحديث عنها في بدء الأزمة، وينفي وجود أية مؤشرات لوجودها، صار يدندن حولها أخيراً، ويتحدث عن وجود جيوب إرهابية لا تنوي إسقاط حكومة بشار فقط، بل تسعى إلى تصفية السوريين اعتماداً على هويتهم! ومن أجل تكريس هذا المفهوم وزرع المسامير الأولى في نعش الثوار، فقد عمد النظام (باستخدام سكاكين طائفية مستأجرة) إلى القيام بمجازر خاطفة وسريعة، وتحمل نفساً عنصرياً وطائفياً لتشتيت هدف الثوار، وإجبارهم على تغيير وجهتهم ونقطة وصولهم الأخيرة! وعودة إلى تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية قبل أيام، «هروب قاتل إلى الأمام يقوم به النظام»، فإنه يمكنني أن أسقط «الهروب القاتل» على الواقع السوري الراهن مرتين: قاتل للنظام، لأن هذا التوجه الأخير بمثابة الانتحار السياسي الذي يقضي على كل الجهود الديبلوماسية التي تفترض وجود نظام شرعي قائم! وقاتل للشعب، لأن في ذلك إشعالاً لحرب طائفية قد تأكل أخضر المستقبل السوري ويابسه. هو قاتل مزدوج، لذلك ينبغي التفكير في وقفه قبل التفكير في العمل على إسقاط النظام وتحقيق رغبة ثائري 15 آذار. أظن أن الشهر المقبل سيكون فارقاً في الثورة السورية، وعلى مجلس المعارضة والجامعة العربية العمل سوياً على تأكيد الوحدة الشعبية السورية كأولوية مطلقة، وتأجيل النظر في إسقاط النظام إلى أن تفشل الجهود الحكومية التي تريد جر البلاد إلى حرب أهلية. لنبدأ بالأهم ومن ثم المهم. [email protected] * كاتب سعودي