سبعة ملايين متفرج اميركي تقريباً تابعوا الحلقة الاولى من الجزء الجديد من المسلسل الاميركي «دالاس»، الذي عاد الى الشاشة التلفزيونية بعد نحو 21 عاماً من عرض آخر حلقاته. الموسم الجديد من المسلسل الذي يعرض على قناة «تي أن تي» الاميركية، سيصل قريباً الى الجمهور خارج الولاياتالمتحدة، اذ عقدت قنوات تلفزيونية اوروبية اتفاقات لشراء الحلقات الجديدة حتى قبل انتظار ردود الفعل الاميركية على المسلسل، فالنجاح يبدو مضموناً مع الموسم الجديد، بخاصة ان الاعلانات التي سبقت عرضه ركزت على عودة معظم أبطاله المعروفين. ثم ان التجارب السابقة تؤكد ان الجمهور يُقبل غالباً على مشاهدة الأعمال التلفزيونية التي شاهدها في طفولته وشبابه، لذلك ليس غريباً مثلاً ان تتكاثر قنوات ال «نوستالجيا» التلفزيونية وبأسماء عدة في أوروبا، ففي هولندا مثلاً، هناك قناة تحمل اسم «نوستالجيا»، متخصصة بعرض برامج الزمن الماضي ومسلسلاته الى جمهور يرغب باستعادة جزء من حياته السابقة عبر التلفزيون. وليس مفاجئاً ايضا ان تُقْدِم «هيئة الاذاعة البريطانية» (بي بي سي) قبل عامين، على انتاج مسلسل جديد يتبع بقصته مسلسل السبعينات البريطاني المعروف «في الاعلى في الاسفل»، مستعينة بالحلقات الجديدة بممثلة واحدة فقط من الذين لعبوا الشخصيات التي ظهرت في المسلسل الاصلي والذي عرض بين اعوام 1971 و1975. لا تضيع الحلقة الاولى من الجزء الجديد من مسلسل «دالاس» في الوقوف على أطلال الاحداث الماضية. هو يدفع بسرعة كبيرة جداً مشاهديه الى دراما الزمن الحاضر، فشخصية جي آر (يلعبها الممثل لاري هاغمان الذي وصل إلى الثمانين من العمر) تعيش منذ سنوات طويلة معتزلة الحياة العامة (في اشارة الى ما حدث في الموسم الاخير من المسلسل)، اما شقيقه الطيب «بوبي» (يلعب دوره الممثل باتريك دافي) فيعيش حياة مستقرة مع زوجته (هذه الحياة ستهتز هي الأخرى مع بداية أحداث الموسم الجديد). ويقدم المسلسل جيل الأبناء، فابن «بوبي» يحمل اخلاق والده، فيما أورث «جي آر» الشر لابنه، الامر الذي يمهد لأحداث درامية متصاعدة وخلافات ستتفجر منذ الحلقة الاولى بين اولاد العم، يشبه ذلك الذي كان يدور بين أبويهم. وهناك ايضاً بالطبع نساء جميلات وجري وراء الاموال وجشع يحرك الشخصيات. ولإضفاء طبعة عالمية على المسلسل، هناك قصة عن ابن «بوبي» (كريستوفر)، وله مشروع في الصين لإنتاج طاقة بديلة في سعي للمساعدة في تخليص العالم من الاعتماد على النفط، فيما يحاول ابن «جي آر» (جون روس) دفع العائلة للموافقة على استثمار النفط الغزير المكتشف في ارضها الواسعة في تكساس، الامر الذي يرفضه «بوبي»، الذي يرغب بتحويل ارض عائلته في ولاية تكساس لمنطقة طبيعية محمية، وفاء لوصية والدته الراحلة. لا يختلف الجزء الجديد في تركيبته وأسلوبه، كما تشير الحلقات الاولى منه، عن المسلسل الاصلي الذي حقق نجاحات كبيرة حول العالم في الثمانينات من القرن العشرين (قُدِّر مشاهدو الموسم الاخير منه ب 300 مليون مشاهد)، فالمسلسل الذي يختلف عن المسلسلات الدرامية الطويلة (soap opera) بمشهدياته واهتمامه بشكله الفني وخروجه من الاستديوات، يشترك مع الاخيرة بتضخيمه شخصيات الخير والشر ومبالغاته العالية وكليشيهاته والدراما المتوقعة العاطفية والتي تعرف جيداً جمهورها والتوقعات التي ينتظرها هذا الجمهور منه. ما ميز مسلسل «دالاس» في سنوات نجاحه هو تماشيه، وتمجيده احياناً، عبر شخصية مغرية مثل «جي آر»، لمناخ المحافظة السياسية الاميركية والفردية الاجتماعية والذي تعزز مع صعود الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان وعقد السنوات الذي أعقبه، وهو العقد الذي بدا فيه أن شخصية راعي البقر الاميركي التقليدية والمثقلة بأوزار الماضي ورجل البورصة، اقتربا الى حد التطابق، فالبطل «جي آر» كان شخصية اميركية من ذلك الزمان بامتياز، بمثله وجشعه، وسرعان ما تحول، وهو الشخصية الدرامية الخيالية، الى احد رموز ذلك الزمن.