لوّح رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران باستمرار زخم الربيع العربي الذي أطاح أنظمة فاسدة. وقال أمام مجلس المستشارين أول من أمس إن الفساد أسقط أنظمة مثل فرعون مصر وطاغية ليبيا ومستبد تونس، وأنحى باللوم على «لوبيات الفساد» التي تصوّرت أن الربيع العربي انتهى. وشدد على القول إن المغرب نجا من تلك المخاطر عبر حزمة إصلاحات انتزعت التقدير، ملمحاً في الوقت ذاته إلى تضافر جهود جميع الشركاء في التصدي للمخاطر. وأبدى بن كيران دهشته إزاء بعض ردود الفعل التي رافقت الإجراءات الإصلاحية التي أقرتها حكومته، من قبيل الكشف عن المستفيدين من أذونات النقل، ووضع دفاتر حملات الإعلام الرسمي التي قال إنها «توخّت الحرب على الصفقات المشبوهة». ووصف مناهضي الإصلاح بأنهم مثل «التماسيح والعفاريت» الذين لا يظهرون إلا في الظلام. وأضاف موضحاً أنهم «يدافعون عن مصالحهم غير المشروعة وعن الصفقات المهمة والرواتب الباهظة ولا يمثلون أمام البرلمان ضمن مساءلة الرقابة». وجدد التزام حكومته التطلع إلى المستقبل، مؤكداً أن أي ملفات في الفساد ستجد طريقها إلى القضاء. وعرض بن كيران إلى توجهات حكومته في نقل الدعم الذي كان مخصصاً لصندوق المقاصة إلى تعويضات مباشرة للفئات الفقيرة والنساء والأمهات الأرامل ومحدودي الدخل. وقال: «من غير المقبول أن يفيد من الدعم أثرياء ومحظوظون». واختزل تصوراته في انه يسعى إلى «ربح أقل في ظل الاستقرار، وليس ربحاً أكبر في غيابه»، مشيراً إلى أن الإجراءات التي التزمتها حكومته تندرج في هذا السياق. وقال إنه «مهتم بمصارحة المغاربة بالحقائق» مهما كانت صعبة. وسئل رئيس الحكومة عن أجندة الاستحقاقات المقبلة، وعلى رأسها انتخابات البلديات والجهات وغرف التجارة والصناعة والزراعة ومجلس المستشارين، فرد بالقول إن الأمر يتطلب إجراءات قانونية وتنظيمية تشمل القوائم الانتخابية والحسم في نمط الاقتراع، مؤكداً استحالة تنظيم الاستشارة الانتخابية خلال العام الجاري. وأضاف أنه يرى أن صيف أو خريف السنة المقبلة يبدو موعداً ملائماً. واستطرد «إلا في حال أراد الملك (محمد السادس) موعداً أقرب، سنبحث في تسريع إقرار القوانين» ذات الصلة. وقال مراقبون إن الملاءمة بين الوثيقة الدستورية الجديدة والمؤسسات المنتخبة بخاصة مجلس المستشارين ونظام الجهات بات يفرض نفسه، إلا أنه يظل رهن إقرار رزنامة طويلة من الإجراءات التقنية والتنظيمية. إلى ذلك، لم يفوت رئيس الحكومة الفرصة دون إثارة إشكالات برزت على خلفية طلب وزير الداخلية محند العنصر فتح تحقيق مع النائب الإسلامي عبدالعزيز أفتاتي. واغتنم بن كيران الجدل الدائر داخل مجلس المستشارين ليضع مسافة بينه وبين وزيره في الداخلية حيال هذه القضية. فقد غمز بن كيران إلى العنصر زعيم «الحركة الشعبية» بالقول إنه اتخذ قراراً في غياب المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية، وإنه لم يستشره في طلبه فتح تحقيق مع النائب أفتاتي حول اتهامه «أجهزة معلومة» بدعم وزير المال والاقتصاد السابق صلاح الدين مزوار. وقال بن كيران إن النائب المنتسب إلى حزبه - «العدالة والتنمية» - أخطأ في تصريحاته، وإن الوزير العنصر تصرف بدوره من دون علم رئيس الحكومة. وفُهم من كلام بن كيران أنه لا يوافق وزير الداخلية تقديراته، وأنه يعتبره قد تصرف كان خارج الآليات المتعارف عليها في الانضباط الحكومي. غير أن مصادر سياسية رأت في تلميح رئيس الحكومة نوعاً من اللوم لوزارة الداخلية، بخاصة وأن الوزير العنصر سبق له أن انتقد مواقف أطراف في الائتلاف الحكومي، في إشارة صريحة إلى وزراء «العدالة والتنمية». ويقول مراقبون إن إسلاميي حزب بن كيران لا يرغبون في تفجير الوضع داخل الائتلاف الحكومي، بل يرون ضرورة لاستمرار التحالف القائم الذي يدعم الغالبية. وكانت مشادات وقعت في اجتماع لجنة الداخلية بين نواب من الحزب الإسلامي والوزير العنصر حول اتهام بعض الولاة والمحافظين بالتورط مع تجار مخدرات. وعلى رغم أن النقاش كان يطاول سبل تطويق البناء العشوائي الذي زادت حدته ووتيرته، فإن معاودة طرح فكرة الاشتباه بهذا التورط بين مسؤولين محليين وتجار المخدرات تشير إلى استمرار التجاذب بين نواب الحزب الإسلامي وبعض المحافظين. وكان رئيس الحكومة أكثر وضوحاً حين تحدث أول من أمس عما وصفه ب «تزوير إرادة الناخبين» في انتخابات بلديات 2009، ما أدى إلى نزع مقاعد محلية من «العدالة والتنمية».