ظل شارع الميرغني في حي مصر الجديدة القاهري «منطقة محرمة» لسنوات، خصوصاً لدى قيام الرئيس المخلوع حسني مبارك بتحركات أو استقباله ضيوفاً، إذ يضم الشارع عدداً من بوابات القصر الرئاسي الذي عُرِفت المنطقة المحيطة به بإجراءات أمنية مشددة. لكن الحال تبدلت وبات الشارع قبلة للمظلومين من كل حدب وصوب. ولم تعد هناك «خطوط حمر» لتحركات المواطنين بالقرب منه، حتى إن بعضهم بات يتسلق سور القصر في محاولة للفت انتباه المسؤولين في داخله للنظر إلى شكواه. وتجمع مئات أمام القصر الرئاسي كلٌّ يحمل «مظلمة» أو «مطلباً» وينتظر لقاء الرئيس محمد مرسي أو أحد مساعديه، وغالبيتهم يرفض تسليم شكواه لموظفي القصر او الحراسة، خشية تجاهلها في ظل ميراث طويل من عدم الثقة بين الدولة ومواطنيها. وبدا المشهد أمام القصر الجمهوري نسخة مصغرة من اعتصامات ميدان التحرير، لكن بمطالب فئوية أكثر منها ثورية، إذ رفع عشرات لافتات حملت مطالبهم على اختلافها. واختلطت الهتافات بين مطالبين بإطلاق سراح معتقلين سياسيين وآخرين يهتفون ضد ظلم مسؤولي شركات يعملون بها، فضلاً عن أشخاص جاء بعضهم بحثاً عن فرصة عمل، بعدما سدت في وجوههم أبواب المصالح الحكومية والخاصة تحركهم تعهدات مرسي بأن تظل أبواب القصر الرئاسي مفتوحة أمام الجميع، وقطعاً لم يكن يدور بخلده أن كل هؤلاء سيتجمعون في محاولة للقاء الرئيس الجديد وسيصل ببعضهم الأمر إلى حدِّ قطع الطريق أمام القصر. وكما أسوار البنايات المحيطة بميدان التحرير تحول سور القصر الرئاسي إلى لافتة كبيرة تحمل مطالب المتظاهرين، فكتب بعضهم شعارات ضد حكم العسكر، وآخرون طالبوا بالإفراج عن مجموعة من ضباط الجيش أوقفوا في ميدان التحرير في 8 نيسان (أبريل) 2011 لدى مشاركتهم في احتجاجات الميدان، وشعارات أخرى تطالب بالقصاص للشهداء. وقالت امرأة منتقبة رفضت ذكر اسمها ل «الحياة» فيما كانت تقف مع مجموعة من النسوة كلهن منتقبات: «جئنا إلى القصر بعد خطاب الرئيس في ميدان التحرير، لنطلب منه أن يفرج عن أزواجنا المعتقلين منذ سنوات في سجون مبارك»، مضيفة أنها قدمت شكواها وزميلاتها إلى موظف في القصر من خلف الباب، وظلت ثلاثة أيام في انتظار رد لكن أحداً لم يتصل بها، فقررن معاودة التظاهر لحين تنفيذ مطلبهن. ووقف محمد شريف، وهو عرف نفسه على أنه محام، يحمل لافتة يرفض فيها «توريث القضاء». وقال إنه تخرج في كلية الحقوق بتقدير جيد جداً، وكان أمله العمل في النيابة العامة، لكن المحسوبية منعته من تحقيق حلمه بسبب «التوريث المستشري في مؤسسة القضاء». وإن كان لمرسي ولاية لحل مشاكل هؤلاء، فهو قطعاً لن يتمكن من حل أزمة أميرة الخولي شقيقة الضابط عمرو الخولي، وهو أحد ضباط الجيش المعتقلين في 8 نيسان 2011 وهي رفعت وعشرات من أسر عدد من الضباط لافتة كبيرة ضمت صور أبنائهم وكُتب عليها «الحرية للضباط المعتقلين سياسياً». وقالت الخولي: «شقيقي وزملاؤه من الضباط الشرفاء حموا الثورة التي أوصلت مرسي إلى منصب الرئاسة، ومن ثم عليه أن يتدخل لإطلاقهم، خصوصاً أنه بات الرئيس وبيده الحل والربط». لكن الخولي لا تعرف أن الرئيس الجديد قد لا يكون بمقدوره التدخل في هذا الأمر، إذ إن الإعلان الدستوري المكمل إن كان يكبل يديه في بعض الأمور المدنية، فهو يغلها تماماً في ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة التي لمجلسها الأعلى الولاية كاملة على كل شؤونها. غير أن الخولي لا تعترف بمثل هذه الأمور، وتصر على أن الرئيس إن أراد وامتلك الإرادة لإطلاق سراح ذويهم فسيفعل. وكانت 17 منظمة حقوقية عقدت مؤتمراً صحافياً أمس أعلنت خلاله تقديمها مذكرة للرئيس تطالبه بإلغاء قرار المجلس العسكري تشكيل مجلس الدفاع الوطني والإفراج الفوري عن المعتقلين وسجناء الرأي وإلغاء قرار وزير الداخلية الذي يسمح باستخدام الأسلحة والذخيرة الحية لفض التظاهرات. وشددت على «ضرورة امتناع الرئيس عن تقديم أي التزام بالحصانة إلى الضباط والعسكريين بخصوص الجرائم التي تم ارتكابها منذ تولي المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد». وطالبته ب «إصدار توجيهات إلى رئيس الوزراء والوزراء المعنيين بوقف التدخلات الأمنية في النشاط السياسي والنقابي والمجتمع المدني وتعيينات أعضاء هيئات التدريس في الجامعات واتحادات الطلاب وإقرار لائحة جديدة لهم وإحالة ضباط وأفراد الشرطة ممن سبقت إدانتهم في جرائم وصدرت أحكام ضدهم على الاحتياط».