إذا احتاج الرئيس المصري الجديد محمد مرسي ما يذكره بحجم التوقعات المنتظرة منه مع تسلمه مهام منصبه فما عليه إلا أن ينظر من نافذة القصر الرئاسي. وتجمع مواطنون عند أبواب القصر الجمهوري، بعضهم يطالب بوظائف وآخرون بتعويضات من الدولة وآخرون يطالبون بالافراج عن أقارب معتقلين، ما يظهر إلى أي مدى تسبب التفويض الشعبي الذي حظي به مرسي في زيادة الآمال في حكومة تكون أكثر استجابة لمطالب الشعب. وقال رجل يبلغ من العمر 52 عاماً وقف بين المجموعة التي كانت تتحدث إلى حراس الأمن على باب القصر: «اسمي علاء أحمد بيومي وأنا هنا لأطالب بمعاش أكبر... عندي خمسة أطفال وتكاليف السكن وحدها تزيد على معاشي وهذا غير مقبول.» وفي حين كان مرسي يعمل على تشكيل حكومته الجديدة لتحل محل الحكومة الانتقالية التي عيّنها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كان المواطنون الذين يحملون طلباتهم يجلسون في الحدائق المواجهة للقصر حيث كانوا يأكلون ويشربون ويستريحون في الظل. ولم يكن يسمح للمصريين العاديين قط بالاقتراب من القصر الجمهوري إلى هذا المدى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أطاحته انتفاضة شعبية العام الماضي. وقال مرسي الذي يريد التأكيد على الفارق بينه وبين سلفه إنه لن يدير ظهره أبداً لمواطنيه وانه سيسعى لتحقيق العدالة لكل المصريين ومن بينهم من قتلوا او أصيبوا خلال الانتفاضة. وترجع أصول مبارك - مثله في ذلك مثل مرسي - إلى قرية فقيرة، لكن القائد الأسبق للقوات الجوية ابتعد عن عائلته وشعبه الذي تزايد فقره خلال ثلاثة عقود حكم فيها البلاد. وفي عهد مبارك كان تنظيم الاحتجاجات السياسية أمراً شبه مستحيل، إذ كانت أعداد هائلة من رجال الشرطة على أهبة الاستعداد لتفريق أي تجمعات والقبض على من يحاول التظاهر. وكانت الطرق التي تمر منها المواكب الرئاسية ممهدة منمقة ويحيط بها حشود من المؤيدين او كانت تغلق أمام المواطنين لساعات ما يؤدي إلى زحام هائل حتى يتمكن الرئيس من السير بسرعة في شوارع العاصمة الخالية. وعندما تولى مبارك السلطة اصبح الوجود الامني حول القصر الرئاسي كثيفاً. أما اليوم فيحاول رجال شرطة بالملابس الرسمية وضباط من امن الرئاسة يرتدون سترات ونظارات شمسية سوداء التعامل بهدوء مع المواطنين الذين يأملون في دخول محيط القصر الرئاسي ويكتبون اسماءهم او يقترحون عليهم تقديم طلبات مكتوبة. وسمح للمواطنين الذين ألحوا في مقابلة مرسي شخصياً بالدخول إلى أرض القصر الرئاسي. وجلست سيدة عجوز ترتدي ملابس سوداء وتدعى أحلام محمد على رصيف خارج القصر وقالت: «أريد وظيفة لابني. إنه يجلس في البيت بلا عمل منذ شهور وهو من يطعمنا. من دونه سنموت جوعاً». أما هيثم عزت (29 عاماً) فكان يطالب بتعويض عن إصابة في الوجه خلال الانتفاضة ضد مبارك حرمته من العمل. وقال سيد راشد (61 عاماً) الذي لم يحصل على تعويض عن إصابة حرب رغم أنه رفع دعوى على الجيش: «أريد أن أقابل الرئيس.» وقدم عمال استبعدوا خلال فترة الإصلاحات الاقتصادية التي قادها مبارك طلباً حددوا فيه أسماء 15 شركة اتهموها بفصل العمال تعسفياً. وقال عاطف مندي (38 عاماً) الذي يتزعم مجموعة العمال المفصولين: «نحن هنا لنطالب الرئيس بمساعدتنا فوراً. إذا أراد إعادة عجلة الانتاج مرة أخرى فيجب أن نحصل على أجورنا ويجب أن تؤمن حقوقنا.» ويعيش نحو 40 في المئة من المصريين تحت خط الفقر العالمي على أقل من دولارين يومياً. وقامت الانتفاضة على أساس أن الأمور لا يمكن أن تصبح اسوأ مما كانت عليه، لكنها بالنسبة إلى كثيرين أصبحت اسوأ. فالاقتصاد يترنح والبطالة تتزايد بعد أن أثر الاضطراب السياسي على الاستثمار والسياحة. وموارد الدولة مضغوطة في شدة مما سيجعل إنفاق مرسي على أهداف تحقق له مزيداً من الشعبية أمراً صعباً. والبرنامج السياسي لمرسي على أي حال قائم على مزيد من تحرير السوق بغرض حفز الاستثمار وهو ما يزيد خطر مواجهة مصاعب اقتصادية أشد في المستقبل القريب. وقد يمثل ذلك صدمة للمصريين الذين يأملون بأن يغدق عليهم مرسي من خيرات الدولة أكثر مما وزعته جماعته «الاخوان المسلمين». وساهمت شبكات «الإخوان» الخيرية والاجتماعية في تحويلها إلى واحدة من أكبر القوى السياسية في مصر، إذ تقدم الطعام بأسعار مخفضة والدواء وغيره من السلع الضرورية للفقراء. ويتساءل البعض مع تقليص الجيش لكثير من صلاحيات الرئيس حتى قبل تسلمه المنصب عما إذا كان مرسي يملك السلطة الكافية التي تسمح له بتحقيق تغيير جذري. ومن المتوقع أن تواجه أي محاولة للتصدي للفقر في مصر نظاماً بيروقراطياً متضخماً غير فعال من شأنه أن يعرقل خطى الاصلاح. وفي الوقت الحالي يعد مرسي بإجراءات عاجلة تكون لها آثار اجتماعية عاجلة، متعهداً حل أزمة المرور واستعادة الأمن وجمع القمامة من الشوارع والقضاء على الاختناقات في عملية توزيع الخبز المدعم والوقود وغاز الطهي. لكن مع سيطرة الجيش على مفاصل الأمن القومي، وهو ما قد يتضمن السيطرة على وزارة العدل، قد يصبح من المستحيل على مرسي تحقيق بعض المطالب الشعبية. وبين من كانوا ينتظرون الرئيس ثلاث سيدات هن: ناهد حسين عبدالفتاح ومروة خالد ونادية محمد أحمد اللائي جئن للمطالبة بالإفراج عن أقاربهن الذين، بحسب قولهن، لفقت لهم قضايا وسجنوا في عهد مبارك. وقالت نادية: «نعرف أن جماعة مبارك كانوا مستبدين وبلطجية. وكانوا يلفقون الجرائم ضد الناس وهذا ما فعلوه مع زوجي.» ومع اقتراب اليوم من نهايته كان صبر بعض المتجمعين عند القصر الرئاسي قد نفد. وبدأ البعض في الرحيل تدريجاً بينما بدأ آخرون في الصراخ في وجه رجال الشرطة الذين يمنعونهم من الدخول.