يعمل المسلم في هذه الحياة الدنيا أعمالاً مُتعددة، ويُجهد نفسه ويسهر ليله، ويرضي هذا ويُراعي ذاك، ويعيش في قلق واضطراب، ويعتقد أنه على شيء، وأنه مقبول ومحبوب، وليس له من عمله إلا التعب والنصب، يقول الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) الكهف/ 103، سبحان الله، من هؤلاء؟! قد نكون منهم ونحن لا نشعر؟! قد تكون أصابتنا ونحن لا نعلم؟! سبحان الله، أتدرون ما هي؟! إنها الفتن... نعم... الفتن... ولا حول ولا قوة إلا بالله... فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فليتأمل قول حذيفة بن اليمان «رضي الله عنه»، فقد كان من أكثر الصحابة علماً بالفتن، إذ كان يسأل رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عن الشر والفتن كثيراً، فلنتأمل في هذا الأثر العظيم عنه رضي الله عنه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: «إن الفتنة تُعرض على القلوب فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، فإن أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا... فلينظر فإن كان يرى حراماً ما كان يراه حلالاً... أو يرى حلالاً ما كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة» رواه أبو نعيم بن حماد. قف مع نفسك رعاك الله وحفظك وقفة محاسبة دقيقة، وفتش في خفاياك واسأل نفسك: هل أصابتك الفتنة أم لا؟ فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه، فإن السعيد لمن جُنب الفتن، أما سمعت قول نبينا «صلى الله عليه وسلم» في الحديث الصحيح، عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن السعيد لمن جُنب الفتن، إن السعيد لمن جُنب الفتن، إن السعيد لمن جُنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر، فواها» توجعاً وتعجباً... (إنا لله وإنا إليه راجعون). اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه... نعم «قد نرى الحق ولا يرزقنا الله تعالى اتباعه»، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه... نعم «قد نرى الباطل باطلاً ولا يرزقنا سبحانه اجتنابه»، فتأمل هذا السر العظيم في هذا الدعاء... فنعوذ بالله العظيم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. فليراجع كل منا نفسه، وليعرضها على الكتاب والسنة، فإن وافقتهما فسأل الله الثبات وحسن الختام، وإن كان غير ذلك فإني أدعو نفسي وكل مسلم إلى العودة الصادقة إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله «صلى الله عليه وسلم» في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والبلايا والمحن والرزايا، فالطريق إلى الله تعالى واحد لا تعدد فيه وهو صراط الله المستقيم، ثبت أن النبي: «خط خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره ثم قال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِيْ مُسْتَقِيْمًا فَاتَّبِعُوْهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيْلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ) الأنعام/153. [email protected]