أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام في مكةالمكرمة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: «ديدن أولي الألباب ونهج المتقين وشأن عباد الرحمن إحسان الظن بربهم الأعلى لا حيدة عنه ولا ميل عن سبيله ولا توقف فيه ولا نكوص عنه ولا عجب أن يكون لهم هذا النهج وأن يعرف لهم هذا المسلك وهذا التعامل مع ربهم فقد جاءهم منه سبحانه ما يبعث على الاستمساك به والعض عليه بالنواجذ وذلك في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني» وهذا مباين أعظم المباينة ومخالف أشد المخالفة لطريق الظانين بالله ظن السوء الذين نعى الله عليهم هذا وشدد عليهم فيه النكير، فقال سبحانه «ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد اهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لايبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص مافي قلوبكم والله عليم بذات الصدور». وأضاف أمام المسجد الحرام «إنه حديث عن فئة أهل شك وريب في الله عز وجل لم يغشها النعاس الذي بعثه الله يوم أحد بسبب ماكانت عليه أي هذه الفئة من قلق وجزع وخوف تظن بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به سبحانه، وهكذا اعتقدت هذه الفئة أن مشركي قريش لما ظهروا أن هذا الظهور هو الفيصل وأن الله لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه إلى القتل، وفسر كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله بأن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره ولا حكمة له فيه ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون به سبحانه وتعالى في صورة الفتح حيث يقول عزوجل «ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا». وأردف قائلا «وإنما كان هذا ظن السوء وظن الجاهلية الذي نسب إلى أهل الجهل وظن غير الحق لأنه ظن لا يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل سوء بخلاف مايليق بحكمته وحده وبتفرده بالربوبية والألوهية ومايليق بوعده الصادق الذي لايخلفه وبكلمته التي سبقت لرسله أن ينصرهم ولا يخذلهم ولجنده بأنهم هم الغالبون، فمن ظن بالله أنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ولا يؤيد جنده ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم وأنه لا ينصر دينه وكتابه فقد ظن بالله ظن السوء ونسبه إلى خلاف مايليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فإن عزته وحكمته الإلهية تأبى ذلك وتأبى أن يذل حزبه وجنده وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسمائه ولا عرف صفات كماله وكذلك من أنكر أن يكون ذلك بقضائه وقدره فما عرفه ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته وكذلك من أنكر أن يكون ماقدر الله من ذلك وغيره بحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق الحمد عليها وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة هي الأحب إليه وأن تلك الأسباب المكروهة المفضية إليها لا يخرج تقديمها عن الحكمة لإفضائها إلى مايحب وإن كانت مكروهة لها فما قدرها سدى ولا خلقها باطلا». وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن أكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله سبحانه بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته وعلم حكمته، فمن قنط من رحمته فقد ظن به السوء ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به السوء، ومن ظن به أنه يترك خلقه سدى معطلين من الأمر والنهي ولا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملا فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن به أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل وترك الحق ولم يخبر به وإنما رمز إليه رموزا بعيدة، وأشار إليه إشارات بالألغاز وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم وقواهم وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه وتأويله على غير تأويله من ظن به سبحانه ذلك فقد ظن به ظن السوء ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة وتضرع إليه وسأله واستعان به وتوكل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله فقد ظن به ظن السوء وظن به خلاف ماهو أهله، فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله منهم يظنون بالله غير الحق ظن السوء فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول ظلمني ربي ومنعني ما استحقه ونفسه تشهد عليه بذلك وهو بلسانه ينكره ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد فمستقل ومستكثر. وزاد فضيلته في خطبة الجمعة «ففتش نفسك هل أنت سالم من ذلك فإن تنجو منها تنجو من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجيا فليعتن اللبيب الناصح نفسه بهذا الموضع وليتب إلى الله ويستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مادة كل سوء ومنبع كل شر فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة المنزه من كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه». واستعرض إمام وخطيب المسجد الحرام قوله سبحانه وتعالى حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام لقومه «إفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين» أي ماظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره، لافتا النظر إلى أن من تأمل هذا الموضع كما قال أهل العلم علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه، فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن، فكلما حسن ظنه حسن عمله وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز، وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن. وأوصى فضيلته المسلمين بإحسان الظن بالله وإحسان العمل له للفوز بالرضا والرضوان من الرب الرحيم الرحمن ونزول رفيع الجنان. وفي المدينةالمنورة، قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي إن المتتبع للهوى المعرض عن السنة المخالف للهدي المحمدي قد أهلك نفسه وأفسد قلبه وأفسد في الأرض، وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا. فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا. لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض». رواه مسلم ومعنى قوله «اسود مرباد» أي تراكمت عليه الخبائث فاستحال لونه إلى لون قبيح ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم إلا «ما أشرب من هواه» أي أن هذا القلب متبع لهواه فالمعرف ما أحبه هواه والمنكر ما أبغضه هواه لايزن الأمور بميزان الشرع الحنيف ولا القرآن ولا السنة. وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن الفتن التي تعرض على القلوب هي فتن الشهوات وفتن الشبهات والبدع والضلالات والفرق بين القلب الحي والقلب الميت كالحي والميت وأن الفرق التي ظهرت في هذه الأمة الاسلامية سمّاها السلف الصالح أهل الأهواء لأتباعهم الأهواء ومجانبتهم هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد الصحيح والتمسك بالعدل والوسطية وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة: كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يارسول الله قال من كان على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي». وأضاف فضيلته يقول «وأول فرقة ظهرت هي فرقة الخوارج الذين كفروا الصحابة وقاتلوهم وخرجوا على الخليفة الراشد أمير المومنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعمدوا إلى آيات وأحاديث في الكفار فأولوها على المسلمين وضلوا في فهم الأدلة وفسروها على غير وجهها الصحيح فاستحلوا الدم الحرام والمال الحرام وكفروا من شهد الله له بالإيمان فانفتح على الأمة الإسلامية باب من الفتن لا يغلق إلا بقوة السلطان وبأدلة السنة والقرآن كما فعل الصحابة رضي الله عنهم بهذه الطائفة التي ذمتها أدلة الكتاب والسنة ثم ظهرت بقيت الفرق في الأمة ولكل فرقة وارث إلى ماشاء الله تعالى فمن أسلم قياده للهوى وساقه الشيطان فلا تسأل عن هلكته ومن تاب تاب الله عليه ومن اعتصم بالقرآن والسنة فقد هدي إلى صراط مستقيم».