مع اقتراب فصل العطلة، ينتشر في مكتبات ومؤسسات تجارية في لبنان شباب يوزعون نشرات إعلانية خاصة بمخيمات صيفية. وفي لحظات معدودة تصبح عشرات الإعلانات المطبوعة في الأيدي ليحتار الأهل في إختيار الأفضل بينها، خصوصاً أن العروض تتشابه من ناحية النشاطات الترفيهية والرحلات. وهذا المشهد وحده كفيل بأن يلفت الإنتباه إلى مدى نجاح هذه الظاهرة وتحول المخيمات الصيفية إلى ضرورة بالنسبة الى الأهالي الذين لا يستطيعون تكريس الوقت الكامل لأولادهم في فصل الصيف، فيجدون في المخيم الوسيلة الفضلى لإعطائهم المساحة الترفيهية التي يحتاجونها. لكن التطلع إلى هذه الظاهرة من بعيد لا يكشف وجود العديد من الثغرات التي تطاول الأطفال المسجلين بشكل مباشر، فالنمو المتزايد بشكل عشوائي لهذه المخيمات يحمل أيضاً تأثيرات سلبية عدة لا بد للاهل الانتباه منها. تكاليف عالية من المدارس والشركات الخاصة إلى الجمعيات الأهلية وصولاً إلى الأحزاب والتيارات السياسية، كلها جهات تتولى مهمة تنظيم مخيمات صيفية لجمع الأطفال في إطار ترفيهي مسلٍ. لكن الأهداف تختلف بين المنظمين بحسب توجه المخيم، ففي المدارس هناك استكمال للعملية التعلمية إضافة الى النشاطات المتنوعة، فيما تتخصص الشركات الخاصة في تنظيم المخيمات المليئة بالرحلات بين البر والبحر بتكلفة عالية تصل الى 500 دولار أميركي شهرياً للولد الواحد. إلا أن المنظمات الأهلية غالباً ما تجعل مخيماتها الصيفية مجانية وتكون موجهة لخدمة قضية معينة مثل محاربة الفقر أو توحيد الأطفال اللبنانيين من الطوائف كافة. أما المخيمات التي تحمل صبغة سياسية فما زالت محدودة عددياً ومناطقياً، إذ يتخوف الأهل من إدخال أطفالهم صغاراً إلى حقل التجاذبات السياسية. الغلبة بين كل هذه المخيمات هي لتلك التي تنظمها المؤسسات التعليمية والشركات الخاصة، فكما يقول المدير التنفيذي لواحد من المخيمات الخاصة الياس الحاج، «يشعر الأهل بالطمأنينة أكثر حين يكون أطفالهم محضونين من قبل أساتذة ومدربين، وتكون هناك إدارة مسؤولة عن مختلف التفاصيل المرتبطة بالمخيم». ويذكر الحاج أن المبالغ التي يدفعها الأهل في لبنان لتسجيل أطفالهم في المخيمات الصيفية تتراوح بين 100 و500 دولار أميركي، لكن ذلك يتضمن التنقلات والرحلات والنشاطات الترفيهية إضافة الى الطعام وغيرها من التكاليف اليومية. ومقابل هذا المبلغ، يحصل الأطفال على صيف حيوي مليء بالفائدة، خصوصاً حين يشاركون في صفوف تعلم الموسيقى والرقص والرياضات المختلفة. ولا ينكر الحاج الإستفادة المادية الكبيرة التي تحققها المخيمات، إذ أن هناك مؤسسات ترتكز عليها لزيادة المدخول صيفاً، وهو يحتسب نسبة الربح بحوالى 35 في المئة من تكلفة تسجيل كل طفل. «استهتار» بأمان الأطفال المكاسب المالية الكبيرة التي يحققها منظمو المخيمات تطرح تساؤلات ايضاً حول جودة الخدمة التي يقدمونها للاطفال ومدى اهتمامهم بمعايير السلامة والأمان، فكل ذلك يجب أن يكون من مسؤولية إدارة المخيمات، خصوصاً أن لا رقابة من قبل السلطات الحكومية عليها. وفي جولة على ستة مخيمات، تتراوح قيمة التسجيل فيها بين 150 و300 دولار وتضم أكثر من 350 ولداً، يتبين أن هناك الكثير من المشكلات الأساسية التي لا يتنبه لها الأهل. فالمعيار الأول الذي يتم خرقه هو توظيف مراهقين لا تتجاوز أعمارهم ال16 عاماً للإهتمام بالأطفال دون الست سنوات، ويتكرر هذا المشهد في العديد من المخيمات. وعند سؤال الموظفين الإداريين المسؤولين، يكون الجواب أن رواتب هؤلاء المراهقين متدنية ولا تزيد عن 200 دولار، في حين أن توظيف المدربين المحترفين يحمل المخيم تكاليف أكبر. ليس هذا فقط، إنما تغيب أيضاً الممرضات والمسؤولات المتدربات عن الأطفال، ما يعني أن حصول أي أزمة صحية يمكن أن تنتج منه كارثة حقيقية. ويُضاف إلى ذلك، تنظيم بعض المخيمات في أمكنة غير ملائمة للأطفال، فيكون هناك العديد من العناصر المؤذية البارزة إضافة الى الأرضيات غير المناسبة كالزفت والباطون. في هذا الإطار، تنصح المتخصصة في الشؤون التربوية فاديا مراد الأهالي بأن يستفسروا كثيراً عن المخيم الذي يرسلون أطفالهم إليه ويذهبون بأنفسهم لمعاينته. وتشدد مراد على ضرورة ألا يكتفي الأهل بالتكلم مع المدير إنما «يجب أن يطلبوا التعرف الى طاقم العمل للتأكد مما إذا كانت لديه الكفاءات اللازمة ومهارات التعاطي مع الأطفال»، إضافة الى حصول الأهل على جميع المعلومات المرتبطة بحصول أي أزمة خلال السنوات الماضية في المخيم نفسه. وتصف مراد ما يحدث في بعض المخيمات بأنه «استهتار كامل بالطفولة ومعايير الأمان والسلامة، إذ لا يهم الإدارة غير جني الأرباح». وإذا كان يحق للمؤسسات الخاصة تحقيق الفائدة المالية من النشاط الذي تنظمه، فمراد تلفت الى أن ذلك يجب ألاّ يتم «على حساب الأولاد الذين يدفع أهلهم الأموال بهدف تأمين مكان ملائم لبقائهم في الصيف».