لا تخلو مدينة أو قرية لبنانية، وصولاً إلى النائية منها والحدودية، من مخيّم صيفي يجمع الأطفال ليملأ أوقات فراغهم بنشاطات متنوّعة، فقد تحوّلت هذه المخيّمات خلال السنوات الأخيرة من تجمّعات منظّمة للأولاد تدوم أياماً قليلة إلى منازل ثانية لهم يقضون فيها أكثر من 7 ساعات يومياً. ونجاح المخيّمات في استقطاب آلاف الأولاد اللبنانيين بين عمر 3 و16 سنة يعود أولاً الى تعدّد الجهات المشاركة في تنظيمها من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى المنظّمات الأهلية المحلية والدولية والأحزاب والتيارات السياسية وصولاً إلى الجهات الخاصة كالمدارس والنوادي. وأتاح هذا التنوّع الخيارات أمام الأهالي بين المخيّمات المجانية أو المدفوعة، ما يعني أنّ النشاطات الصيفية لم تعد حكراً على الطبقة الغنيّة من المجتمع اللبنانيّ، وإنما بات بإمكان العائلات على اختلاف طبقتها الاجتماعية أن ترسل أولادها إلى المخيّمات لتؤمن لهم أوقاتاً مسلية، قد يكونون عاجزين عن تأمينها بسبب الضغوط الاقتصادية. هذا الازدياد الملحوظ للمخيّمات الصيفية في لبنان، قلّص في شكل واضح نسبة المعارضين لها أو الذين يرون فيها أماكن غير مناسبة للأطفال بسبب الأعداد الكبيرة والقلق من أي أخطاء يمكن حدوثها. فالقائمون على مشاريع المخيّمات باتوا أكثر وعياً بمختلف النواحي المرتبطة بتنظيم تجمّعات الأطفال والترفيه عنهم. وفي هذا السياق تقول جويل خوري، المسؤولة عن تنظيم النشاطات الخارجية للأطفال في أحد المخيّمات المدرسية، إنّ هناك مفهوماً جديداً للمدارس الصيفية في لبنان إذ «لم تعد مجرد حضانة للأطفال، بل فسحة ليكتشف كلّ ولد مواهبه، ويستمتع بكلّ لحظة، من خلال النشاطات الداخلية كالألعاب التثقيفية والورش الفنيّة والرياضات بأنواعها المختلفة أو الخارجية التي تتضمن اصطحاب الأطفال إلى المسابح والنزهات السياحية». وترى خوري في المخيّمات «بديلاً مثاليّاً من التلفزيون والإنترنت اللذين يمكن أن يجذبا الطفل ويمنعانه من الاختلاط بأطفال آخرين وتطوير مهاراته وقدراته الشخصية». ويتفق كثيرون من الأهالي مع هذه النظرة إلى المخيّمات، وتؤكد لارا شماس (أم لطفلين)، أنّ المخيّم «أصبح ضرورة للولد ليبني علاقات صداقة خارج إطار عائلته ويستفيد من فرصته السنوية خلال فصل الصيف للقيام بنشاطات مختلفة». وحول شعورها بالذنب لترك أولادها خلال عطلتهم، تقول شمّاس: «المخيّم ألغى هذا الشعور لدي لأنّي أرى طفلي سعيدين عند عودتهما إلى المنزل، وأنا أقضي معهما فترة المساء ليعرّفاني إلى كلّ ما قاما به بالتفاصيل الدقيقة في يومياتهما». وتبقى القضية الأساسية بالنسبة للأهل اختيار الأفضل لأولادهم، وهذا ما يدفعهم الى البحث عن المخيّمات التي تقدّم العدد الأكبر من النشاطات وأنواع الرياضة المختلفة والنزهات. غير أنّ هذه الفئة من المخيّمات الصيفية ترتّب على الأهل مصاريف مرتفعة، إذ يمكن أن تصل النفقات الى 400 دولار شهرياً في بعض المدارس والنوادي الخاصة. وإذا كانت القدرات الاقتصادية للأهل لا تسمح لهم بدفع مثل هذا المبلغ، فيُمكن أن يلجأوا الى المخيّمات المجانية أو التي تُقام بأسعار رمزية وتنظّمها الجمعيات الأهلية أو السلطات الحكومية أو حتّى التيارات السياسية والأحزاب. وتتخذّ هذه المخيّمات طابعاً مختلفاً عن تلك التي تقوم بإعدادها جهات خاصة، وغالباً ما تحمل رسالة إنسانية من المخيّم كنشر المحبّة بين الأطفال وتعليمهم القيم الوطنية. وهناك بعض المخيّمات التي تجمع بين أطفال من طوائف مختلفة لتقريب المسافات بينهم. وتتجه القوى السياسية إلى تنظيم مخيّمات يمكن أن تبقى في الإطار الترفيهيّ أو تتجاوزه نحو توجيه رسائل سياسية معيّنة إلى الأطفال، وهذا ما يمكن ألا يكون خياراً محبّذاً خصوصاً بالنسبة للأولاد بين 3 و10 سنوات. ومهما كان خيار الأهل في هذا المجال، فإنّ المخيّمات الصيفية تعطي للطفل الفرصة في توطيد علاقاته الاجتماعية وتعلّمه المشاركة إضافة إلى القيام بنشاطات بدنية تساعده في تفريغ طاقاته بدل الشعور بالملل في حال طلب أهله من الأقارب أو الأصدقاء رعايته خلال فترة تغيّبهم عنهم بسبب العمل. وكما لكلّ نشاط قواعده، كذلك ذهاب الطفل الى المخيّم الصيفيّ، يتطّلب من الأهل التقيّد ببعض التعليمات. وتؤكد المرشدة الاجتماعية رولا خيرالله، التي ترافق الأطفال في أحد المخيّمات المنظَّمة من قبل مدرسة خاصة، أنّ الأهل يجب أن يسألوا الطفل حول رغبته في الذهاب إلى المخيّم أولاً، وعدم فرض ذلك عليه لأنّ ذلك يمكن أن يؤدي الى مجيئه حزيناً وانزوائه عن أصدقائه. وفي حال رفض الطفل المشاركة في المخيّم، يجب على الأهل أن يقنعوه بذلك من خلال عرض مختلف النشاطات التي سيقوم بها بالتعاون مع أطفال من العمر نفسه، وشرح الظروف التي تجبرهم على تسجيله في المخيّم. وتشدّد خيرالله على ضرورة أن يزور الأهل المخيّم قبل تسجيل أبنائهم للتأكد من احترام كلّ معايير السلامة والأمان فيه، ومن وجود عدد من المدّربين في شكل يلائم أعداد الأطفال المسجلّين، إضافة إلى الاستفسار من المسؤول عن كل التفاصيل التي يحتاجون إلى معرفتها. وترى خيرالله أنّ مشاركة الأهل أطفالهم في الأحاديث حول المخيّم والنشاطات التي يقومون بها ضرورية جداً، ليشعر الولد بأنّ هناك إحاطة عائلية له وإذا تعرّض لأي إساءة في المخيّم فهو قادر على إخبار والديه. والنصيحة الأخيرة للأهل تبقى ألا يعتمدوا على المخيّمات فقط في الترفيه عن أولادهم وتثقيفهم، إنما يجب أن يجدوا الوقت أيضاً ليمضوه معهم والقيام بنشاطات مختلفة «لأنّ الطفل يحتاج الى الشعور بالانتماء الى منزله أولاً».